You are on page 1of 27

‫التحكيم فى عقود االنشاءات الدولية‬

‫(البوت ‪)B.O.T‬‬
‫طبقًا لألنظمة السعودية‬

‫د‪ /‬سعد بن سعيد الذيابي‬

‫عميد كلية الشريعة واألنظمة‬

‫جامعة تبوك المملكة العربية السعودية‬

‫بحث مقدم للمؤتمر السنوى التاسع عشر لمركز التحكيم التجارى بدول مجلس التعاون الخليجي‬
‫بالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة عمان‬

‫حول‬

‫" التحكيم فى عقود النفط واإلنشاءات الدولية"‬

‫‪ 62-62‬أغسطس ‪6102‬‬

‫فندق كراون بال از ‪ -‬صاللة‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة عامة‪:‬‬

‫كبير من اهتمام الدراسات القانونية‬


‫حيز ًا‬
‫شغل الحديث عن عقود االنشاءات الدولية بشكل عام ًا‬
‫فى اآلونة األخيرة‪ ،‬بعدما تجلى للدول ـ ـ ـ خاصة الساعية للنمو ـ ـ أهمية هذه العقود فى تحقيق‬
‫أهداف التنمية المنشودة‪ ،‬بعد ما رسخ فى عقيدة هذه الدول أن هذه العقود هى الوسيلة المثلي‬
‫إلقامة اإلنشاءات والبنية التحتية األساسية المنشودة من طرق وكبارى وأنفاق ومطارات وسكك‬
‫حديدية ومحطات مياه ومحطات لتوليد الكهرباء‪ ،‬وذلك دون أن ترهق ميزانيتها بأموال طائلة ال‬
‫تقوى تحملها أو تريد توفيرها لشئون أخرى(‪.)1‬‬

‫وعلى الرغم من اتاحة العديد من البنى التحتية والمرافق الحيوية فى غالبية الدول‪ ،‬إال أن حجم‬
‫الفجوة بين الخدمات المعروضة والمطلوب أخذ فى االتساع‪ ،‬على أثر الزيادات السكنية‬
‫واالمتدادات العمرانية‪ ،‬ووجود عجز فى مي ازن المدفوعات‬

‫ومما الشك فيه أن عقود االنشاءات الدولية تحمل الكثير من المنافع المتبادلة ألطرافها‪،‬‬
‫سعيا حثيثًا إلى تحقيق أقصى ربح ممكن من وراء‬
‫فالعنصر األجنبي فى العالقة العقدية يسعى ً‬
‫ما يمارسه من نشاط‪ ،‬بعد ما قام بجلب رؤوس األموال والعمالة وغيرها من عناصر االنتاج‪،‬‬
‫والدولة من ناحية أخرى تسعى إلى تحقيق االستفادة من خبرات العنصر األجنبي فى انشاء‬
‫وتشغيل األبنية والمرافق التى يسند إليه مهمة القيام بها‪ ،‬وتسليمها فى حالة جيدة تصلح‬
‫لالستعمال‪ ،‬بما يعود عليها وعلى مواطنيها بالنفع‪.‬‬

‫ورغم هذه األهمية‪ ،‬إال أن هذه العقود تثير العديد من المنازعات‪ ،‬ألسباب تتعلق بتعارض‬
‫مصالح أطرافها فى كثير من األحيان‪ ،‬والتى تعود فى المقام األول إلى أن العالقة العقدية بين‬
‫الدولة صاحبة السلطة والسيادة واألجنبي الذى قد يملى شروطًا فى عقده تنتقص من سيادة الدولة‬
‫وسلطانها‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بسلطة تعديل بعض شروط العقد أو إلغاءه‪ ،‬أو حقها فى اللجوء‬

‫)‪ (1‬د‪ .‬محمد الروبي‪ ،‬التحكيم فى عقود التشييد واالستغالل والتسليم‪ ،‬بحث منشور بأعمال المؤتمر الدولى السادس عشر‬
‫لكلية الشريعة والقانون كلية القانون – جامعة االمارات العربية المتحدة ‪ ،‬بعنوان "التحكيم التجاري الدولي"أهم الحلول‬
‫البديلة لحل المنازعات التجارية"‪ ،‬المنعقد خالل الفترة من ‪ 03-22‬أبريل ‪ ،2332‬ص‪.151‬‬

‫‪2‬‬
‫لقضائها الوطنى بخصوص ما يثور من منازعات‪ .‬من ناحية أخرى يرى األجنبي أن العقد هو‬
‫الوسيلة الوحيدة التى تضمن حقوقه‪ ،‬وأنه يسعى لتحصينه بكافة الشروط التى تحول دون ممارسة‬
‫الدولة لسلطاتها اإلستثنائية عليه‪ ،‬من خالل إدراج شروط عدم المساس والثبات التشريعى‪ ،‬ليس‬
‫هذا فحسب‪ ،‬وانما التمسك الشديد بأن المنازعات التى تثور بخصوص العقد يتم فضها بطريق‬
‫التحكيم‪.‬‬

‫كبير ‪ ،‬بالنظر إلى أن المنازعات الخاصة بعقود‬


‫دور ًا‬
‫ويلعب التحكيم فى فض هذه المنازعات ًا‬
‫البوت تننفر عادة من القيود واالجراءات القضائية‪ ،‬وتجد في رحاب التحكيم الحريه المنشود في‬
‫مجال العمل التجاري من حيث اختيار المحكمين واجراءات التحكيم والقانون الواجب التطبيق‪،‬‬
‫ومكان التحكيم ولغة التحكيم ونهائيه الحكم التحكيمي(‪.)2‬‬

‫‪ -‬إشكالية الدراسة‪:‬‬
‫تدور هذه الدراسة حول معالجة اشكالية وجود فراغ تشريعى في نظام التحكيم السعودى‬
‫يراعى خصوصيات فض منازعات عقود البوت‪ ،‬خاصة بعد أن أضحت هذه العقود‬
‫تحتل أهمية كبرى في الواقع العملي‪ ،‬وأضحت تثير العديد من االشكاليات‪ ،‬خاصة فيما‬
‫يتعلق بمعالجة اختالل التوزان العقدى‪ ،‬على أثر تباين قوة أطراف العقد في فرض‬
‫الشروط المحققة لمصالحهم‪.‬‬
‫‪ -‬خطة الدراسة‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية عقود البوت ومبررات اللجوء للتحكيم لفض منازعاتها‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية عقود البوت‬

‫المبحث الثاني‪ :‬طبيعة منازعات عقود البوت ومبررات اللجوء للتحكيم‬

‫الفصل الثانى‪ :‬مدى قدرة المحكم على استبعاد القانون الواجب التطبيق على عقود البوت‬

‫المبحث األول‪ :‬حاالت إختيار قانون العقد فى عقود البوت‬

‫)‪ (2‬د‪ .‬محمد الروبي‪ ،‬التحكيم فى عقود التشييد واالستغالل والتسليم‪ ،‬بحث منشور بأعمال المؤتمر الدولى السادس عشر‬
‫لكلية الشريعة والقانون كلية القانون – جامعة االمارات العربية المتحدة ‪ ،‬بعنوان "التحكيم التجاري الدولي"أهم الحلول‬
‫البديلة لحل المنازعات التجارية"‪ ،‬المنعقد خالل الفترة من ‪ 03-22‬أبريل ‪ ،2332‬ص‪.151‬‬

‫‪0‬‬
‫المبحث الثانى‪ :‬واقع اختيار القانون الواجب التطبيق فى عقود البوت‬

‫الفصل األول‬

‫ماهية عقود البوت ومبررات اللجوء للتحكيم لفض منازعاتها‬

‫المبحث األول‬

‫ماهية عقود البوت‬

‫‪ -‬أهمية عقود البوت ‪B.O.T‬‬

‫دور محورًيا فى حياة العديد من الدول‪ ،‬خاصة النامية منها‪ ،‬بالنظر إلى‬
‫تلعب عقود البوت ًا‬
‫أنها الوسيلة المثلى التى يتم من خاللها إنشاء وتشغيل المرافق العامة والحيوية المطلوبة‪ ،‬مع‬
‫غالبا ما ال تتحمل مثل‬
‫عدم تحميل ميزانية الدولة بأعباء مرهقة‪ ،‬خاصة وألن ميزانيات هذه الدول ً‬
‫هذه األعباء(‪.)3‬‬

‫وقد شهدت هذه العقود انتشا اًر في كثير من الدول‪ ،‬وأصبح يستعاض بها عن التمويل من‬
‫الموازنة العامة للدولة ‪ ،‬أو حتى اللجوء إلى اإلقتراض الخارجى والمعونات‪ ،‬وذلك لدورها الحيوي‬
‫في إيجاد مشروعات البنية األساسية والتنمية(‪.)2‬‬

‫اضحا فى العديد من الدول‪ ،‬مثل هونج كونج‪ ،‬حيث أولت الحكومة فى اآلونة‬
‫وقد ظهر ذلك و ً‬
‫نظر الهتمامها الشديد فى اآلونة اآلخيرة باالنشاءات‬
‫خاصا بعقود البوت‪ً ،‬ا‬
‫ً‬ ‫إهتماما‬
‫ً‬ ‫األخيرة‬
‫المعمارية لحاجتها الشديدة إلى إحداث نوع من التوسعات المناسبة الحتياجاتها‪ ،‬وقد حرصت‬

‫)‪ (0‬د‪ .‬يعقوب يوسف صرخوه‪ ،‬شروط صحة الحكم التحكيمي في التشريع الكويتي مقارنة بما ورد في اتفاقيات التحكيم‬
‫الصادرة في رحاب األمم المتحدة‪ ،‬مجلة الحقوق – جامعة الكويت‪ ،‬ص‪.1‬‬

‫)‪ (1‬د‪.‬عبد الستار أبو غدة‪ ،‬عقد البناء والتشغيل واإلعادة ) ‪ (B.O.T‬وتطبيقه في تعمير األوقاف والمرافق العامة‪ ،‬منظمة‬
‫المؤتمر االسالمى‪ ،‬مجمع الفقه االسالمى الدولى‪ ،‬الدورة التاسعة عشرة‪ ،‬إمارة الشارقة ‪ -‬دولة اإلمارات العربية المتحدة‪،‬‬
‫ص‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫الحكومة على أثر ذلك إلى التقدم بمشروع قانون خاص بتسوية المنازعات الخاصة بهذه العقود‪،‬‬
‫والتى راعت أن تكون قواعد سهلة وميسرة‪ ،‬تساعد على حل النزاع بما يحفظ لألطراف حقوقهم فى‬
‫ظل استمرار تنفيذ العقد‪ ،‬مع حفظ توازن مصالح أطرافه(‪.)5‬‬

‫هائال‪،‬‬
‫ً‬ ‫اجا‬
‫أيضا فى دولة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬حيث شهدت حركة االنشاءات فيها رو ً‬
‫و ً‬
‫ونفذت على أثر ذلك العديد من المشروعات الكبرى(‪.)2‬‬

‫ويتجلى دور عقود البوت بقوة على على عدة محاور‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫األول‪ /‬التأكيد على تحمل الدولة مسئولية توفير الخدمات الجماعية لألفراد‪ ،‬من خالل ضرورة‬
‫سعيها الستكمال كافة المرافق العامة والخدمات األساسية التى يحتاج إليها مواطنيها‪ ،‬وهو ما‬
‫يتوافق مع الفكر اإلقتصادى الكالسيكي الذي أرسى دعائمه ادم سميث في القرن الثامن عشر‬
‫والفكر التعاوني واالشتراكي اللذين ظه ار في القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫ماليا عن تغطية احتياجاتها‬


‫الثاني‪ /‬تعزيز دور القطاع الخاص فى دعم الدولة عند عجزها ً‬
‫المجتمعية واالقتصادية‪.‬‬

‫الثالث‪ /‬البعد عن معوقات االستثمار‪ ،‬خاصة التعقيدات االدارية التى يتسم بها الجهاز االدارى‬
‫فى الدولة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬تبين لبعض الدول أنها قد تسرعت عندما أخذت بهذه العقود‪ ،‬خاصة وأنها‬
‫لم تضع فى هذه العقود ما يلزم من الضمانات الكافية للحفاظ على مصالحها ومصالحها‬

‫راجع‪:‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫‪The Government of the Hong Kong Special Administrative Region Construction‬‬


‫‪Mediation Rules, Works Bureau Technical Circular No.4/99: (1999 Edition), available at:‬‬
‫‪http://www.devb.gov.hk/filemanager/technicalcirculars/en/upload/196/1/wb0499.pdf‬‬

‫)‪ (6‬د‪ .‬عادل سالم اللوزى‪ ،‬قواعد الوساطة الحكومية لتسوية نزاعات التشييد الهندسي والبناء فى هونج كونج‬
‫وإمكانية تطبيقها على دولة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬المؤتمر الثامن عشر لكلية الشريعة والقانون جامعة‬
‫االمارات العربية المتحدة‪ ،‬بعنوان "عقود البناء والتشييد بين القواعد القانونية التقليدية والنظم المستحدثة"‪-91،‬‬
‫‪ 19‬أبريل ‪ ،1292‬ص ‪.271‬‬

‫‪5‬‬
‫مواطنيها‪ ،‬فظهرت هذه العقود وكأنها عبء على إقتصاديات هذه الدول‪ ،‬األمر الذى جعل هذه‬
‫العقود لدى العديد من البلدان معوق لعملية التنمية والتقدم(‪.)7‬‬

‫ولألهمية القصوى لهذا العقد‪ ،‬فقد أوصى مجمع الفقه االسالمى الدولي المنبثق عن منظمة‬
‫المؤتمر اإلسالمي المنعقد في دورته التاسعة عشرة في إمارة الشارقة) دولة اإلمارات العربية)‪،‬‬
‫بضرورة دراسة أحكام هذا العقد‪ ،‬وتقديم التوصيات والمقترحات المناسبة فيه(‪.)2‬‬

‫مؤخر فى المملكة العربية السعودية إلى كونسورتيوم مكون من عدة شركات من‬
‫ًا‬ ‫وقد عهد‬
‫القطاع الخاص الوطني إعادة تأهيل محطة معالجة مياه الصرف الصحي للمنطقة الصناعية‬
‫مؤخر بالتعاقد مع و ازرة الشئون‬
‫ًا‬ ‫بجدة وفقًا لنظام البوت كما أن البنك اإلسالمي للتنمية قام‬
‫اضحا يجرى اآلن في‬
‫اإلسالمية واألوقاف إلنشاء مبنى وقفي بنظام البوت‪ .‬فهناك توجهًا و ً‬
‫السعودية لتنفيذ مشروعات ضخمة وطموحة تشمل مجاالت السكك الحديدية وتوليد الطاقة‬
‫وصيانة الطرق وغيرها(‪.)9‬‬

‫‪ -‬تعريف عقود البوت ‪:B.O.T‬‬

‫)‪ (7‬د‪ .‬محمد الروبي‪ ،‬التحكيم فى عقود التشييد واالستغالل والتسليم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.156‬‬

‫)‪(2‬راجع قرار مجمع الفقه االسالمى الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر اإلسالمي المنعقد في دورته التاسعة عشرة في‬
‫إمارة الشارقة )دولة اإلمارات العربية) رقم (‪ (186‬بشأن تطبيق نظام البناء والتشغيل واإلعادة (‪ )B.O.T‬في تعمير األوقاف‬
‫والمرافق العامة‪ ،‬بتاريخ ‪ 5‬جمادى األولى ‪1011‬هـ‪.‬‬

‫)‪(9‬محمد محمود عبد هللا يوسف‪ ،‬المخاطر االقتصادية والمالية لمشروعات الـ ‪ B.O.T‬مع التعرض لتجارب عربية‪،‬‬
‫ص‪ ،1‬بحث متاح على الموقع االلكترونى التالى‪:‬‬

‫‪http://www.cpas-egypt.com/pdf/Mohamed_Yossef/Research_Other/PDF/009.pdf‬‬

‫تاريخ زيارة الموقع‪2311/1/21 :‬‬

‫‪6‬‬
‫قانونيا‪ ،‬وانما هو مصطلح درج‬
‫ً‬ ‫مصطلحا‬
‫ً‬ ‫بداية تجدر االشارة إلى أن مصطلح البوت ليس‬
‫عليه العمل إختصار لترجمة عبارة التشييد واالستغالل والتملك‪،Build-Operate-Transfer‬‬
‫التى هى فى االساس وصف لطبيعة العقد وما يتمخض عنه من التزامات أساسية‪.‬‬

‫وقد عرف هذا العقد بأنه عبارة عن اتفاق تقوم به الدولة أو أحد أجهزتها االدارية مع أحد‬
‫الشركات الخاصة األجنبية بغرض تشييد أحد المرافق العامة االقتصادية على نفقة الشركة‪ ،‬وذلك‬
‫نظير قيامها بإستغالل هذا المرفق طوال مدة العقد‪ ،‬على أن تلتزم الشركة بتسليم المرفق للدولة‬
‫فى نهاية العقد‪ ،‬وهو فى حالة جيدة ودون مقابل(‪.)13‬‬

‫أيضا بأنه عبارة عن قيام الدولة بإسناد مهمة بناء وتأسيس أحد المرافق العامة ألحد‬
‫عرف ً‬
‫شركات القطاع الخاص بناء على اتفاق بينهما‪ ،‬على أن يحصل األخير على امتياز إدارة‬
‫وتشغيل هذا المرفق فترة زمنية تكفى السترداد أصل التمويل باالضافة لألرباح‪ ،‬مع االلتزام بنقل‬
‫أصول ملكية المشروع للدولة وفق الشروط المتفق عليها فى العقد(‪.)11‬‬

‫أيضا بأنه عبارة عن " قيام الدولة بالسماح ألحد أشخاص القانون الخاص سواء كان‬
‫عرف ً‬
‫فرد أم شخص معنوى خاص؛ كالشركات الخاصة الحق فى استغالل أو إستثمار مرفق عام ذات‬
‫طبيعة إقتصادية مقابل رسوم يتم الحصول عليها من المنتفعين من خدمات المرفق‪ ،‬تحقيقًا‬
‫للصالح العام"(‪.)12‬‬

‫أيضا من قبل لجنة القانون التجارى الدولى التابعة لمنظمة االمم المتحدة (اليونسيترال)‬
‫عرفت ً‬
‫بأنها عبارة عن عقود البنية التحتية‪ ،‬التى تقوم من خالله الدولة بمنح امتياز استغالل أحد‬

‫)‪ (13‬د‪ .‬محمد الروبي‪ ،‬التحكيم فى عقود التشييد واالستغالل والتسليم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.150‬‬

‫)‪ (11‬عبد هللا المحيسنى‪ ،‬بحث فى عقد البوت‪ ،‬جامعة أم القري‪ ،‬متاح على الموقع االلكترونى التالى‪:‬‬

‫‪http://mhesne.com/uppdf/aqt.pdf‬‬ ‫تاريخ زيارة الموقع‪ 1105/5/1 :‬هـ‬

‫‪Guidebook on promoting good governance in public – private partnerships, United nations‬‬


‫‪new york and Geneva, 2008, p2, available at:‬‬
‫‪http://www.unece.org/fileadmin/DAM/ceci/publications/ppp.pdf‬‬

‫)‪ (12‬د‪ .‬طارق بن هالل بوسعيدى‪ ،‬الطبيعة القانونية لعقود االمتياز واالستثمار التى تبرمها الدولة وف ًقا لنظام ‪،B.O.T‬‬
‫مجلة الشريعة والقانون‪ ،‬جامعة االمارات العربية المتحدة‪ ،‬العدد السادس والثالثين‪ ،‬شوال ‪ -1129‬أكتوبر ‪،2332‬‬
‫ص‪.06‬‬

‫‪7‬‬
‫المرافق العامة ألحد أشخاص القانون الخاص‪ ،‬الذى يلتزم بنقل ملكية المشروع فى نهاية مدة‬
‫العقد‪ ،‬وذلك نظير استغالل المرفق لصالحه خالل مدة العقد(‪.)03‬‬

‫أيضا من قبل مجلس مجمع الفقه اإلسالمي الدولي المنبثق عن منظمة‬


‫عرف عقد البوت ً‬
‫المؤتمر اإلسالمي المنعقد في دورته التاسعة عشرة‪ ،‬بأنه عبارة عن " اتفاق المالك أو من يمثله‬
‫مع ممول )شركة المشروع (على إقامة منشأة وادارتها‪ ،‬وقبض العائد منها‪ ،‬كامالً أو حسب‬
‫االتفاق‪ ،‬خالل فترة متفق عليها بقصد استرداد رأس المال المستثمر مع تحقيق عائد معقول‪ ،‬ثم‬
‫تسليم المنشأة صالحة لألداء المرجو منها" (‪.)11‬‬

‫وتتميز عقود البوت بهذا المفهوم عن عقود االستثمار بأن األخيرة يتم االتفاق بشأنها بين‬
‫الدولة والمستثمر على اقتسام عوائد االستثمارات التى يتم ممارستها(‪.)15‬‬

‫المقصود بالبنية األساسية والمرافق العامة‪:‬‬

‫يقصد بالبنية األساسية مجموع الخدمات التي تتولى الحكومة تقديمها والمنشات التي تتولى‬
‫تشييدها وتشغيلها‪ ،‬إضافة إلى الخدمات التي تعتمد على العمالة الكثيفة كجمع النفايات وتقديم‬
‫خدمات النقل العامة ‪ .‬وتتشكل البنية األساسية من الهياكل الهندسية والمعدات والمرافق العامة‬
‫(القوى الكهربائية والغاز المنقول باألنابيب واالتصاالت السلكية والالسلكية وامدادات المياه‬

‫راجع‪:‬‬ ‫)‪(10‬‬

‫‪Legislative Guide on Privately Financed Infrastructure Projects, Prepared by the United‬‬


‫‪Nations Commission on International Trade Law, United Nations - New York, 2001 available‬‬
‫‪at: www.uncitral.org/pdf/english/texts/procurem/pfip/guide/pfip-e.pdf‬‬

‫تاريخ زيارة الموقع‪ 1105/5/1 :‬هـ‬

‫)‪ (11‬راجع قرار مجمع الفقه االسالمى الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر اإلسالمي المنعقد في دورته التاسعة عشرة في‬
‫إمارة الشارقة )دولة اإلمارات العربية) رقم (‪(186‬بشأن تطبيق نظام البناء والتشغيل واإلعادة (‪ )B.O.T‬في تعمير األوقاف‬
‫والمرافق العامة‪ ،‬بتاريخ ‪ 5‬جمادى األولى ‪1011‬هـ‪.‬‬

‫)‪ (15‬د‪ .‬طارق بن هالل بوسعيدى‪ ،‬الطبيعة القانونية لعقود االمتياز واالستثمار التى تبرمها الدولة وفقًا لنظام ‪،B.O.T‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.06‬‬

‫‪2‬‬
‫والمجارى وتجميع النفايات)‪ ،‬واألشغال العامة (الطرق والجسور والسدود) وقطاعات النقل(‬
‫المطارات والموانئ والسكك الحديدية) والبنية اإلجتماعية (التعليم والرعاية الصحية) ‪.‬‬
‫(‪)02‬‬

‫والمالحظ أن تمويل عقود البنية األساسية االجتماعية يتم بأحد طريقين(‪:)07‬‬

‫األول‪ /‬عن طريق الدولة ممثلة فى القطاع العام‪ ،‬والتى تعتمد على الموازنة العامة للدولة‪،‬‬
‫والقروض العامة الخارجية‪ ،‬والمنح والمعونات الخارجية‪ ،‬وسندات صكوك االستثمار الحكومية‪،‬‬
‫والتمويل الجزئي من المستخدمين من خال ل الرسوم ‪ ،‬أو من خالل برنامج مشترك مع القطاع‬
‫الخاص‪.‬‬

‫الثانى‪ /‬عن طريق القطاع الخاص من خالل عقود الـ ) ‪ ،( B.O.T‬والذى يتم من خالل إنشاء‬
‫المرافق بجهود ذاتية وادارتها أيضاً من القطاع الخاص‪ ،‬والتى يتم تمويلها عن طريق البنوك‪،‬‬
‫خاصة البنوك اإلسالمية بأساليب مشروعة؛ مثل المشاركة الثابتة والمشاركة المتناقصة وصكوك‬
‫االستثمار وصناديق االستثمار‪.‬‬

‫‪ -‬تعدد صور عقود البناء والتشغيل(‪:)02‬‬

‫)‪ (16‬راجع‪ :‬تقرير عن التنمية فى العالم ‪ " ،1991‬البنية األساسية من أجل التنمية"‪ ،‬البنك الدولى لإلنشاء والتعمير‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬يونية ‪ ،1991‬ص‪ ، 21‬متاح على الموقع االلكترونى التالي‪:‬‬

‫‪http://documents.albankaldawli.org/curated/ar/1994/06/12336599/world-development-‬‬
‫‪report-1994-infrastructure-development‬‬

‫تاريخ زيارة الموقع‪1105/5/5 :‬‬

‫)‪ (17‬د‪.‬عبد الستار أبو غدة‪ ،‬عقد البناء والتشغيل واإلعادة )‪ (B.O.T‬وتطبيقه في تعمير األوقاف والمرافق العامة‪ ،‬منظمة‬
‫المؤتمر االسالمى‪ ،‬مجمع الفقه االسالمى الدولى‪ ،‬الدورة التاسعة عشرة‪ ،‬إمارة الشارقة ‪ -‬دولة اإلمارات العربية المتحدة‪،‬‬
‫ص‪.1‬‬
‫)‪(12‬‬

‫‪Pacific Islands Forum Secretariat, Forum economic ministers meeting, Honiara, Solomon‬‬
‫‪Islands, PUBLIC PRIVATE PARTNERSHIPS AND BUILD, OPERATE AND TRANSFER‬‬
‫‪(BOT) AND SUCHLIKE SCHEMES, 03-05 July 2006, p5; Karim Bakhteyari, Public‬‬
‫‪Private Partnerships, Department of Public Technology, Diploma work in collaboration with‬‬
‫‪Nottingham Trent University, 2007, p7.‬‬

‫‪9‬‬
‫يجب مالحظة أن هناك عدد هائل من أشكال عقود البناء والتشغيل التى يمكن أن تختلط‬
‫بعقود البوت‪ ،‬األمر الذى يبرز أهمية بيانها لتمييز عقود البوت‪ ،‬وذلك على التفصيل التالى‪:‬‬

‫‪ /0‬عقد البناء والتأجير ونقل الملكية ‪ :)B.L.T( Build – Lease _ Transfer‬حيث‬


‫تتميز هذه الصورة من صور العقود بأن ملكية المشروع منذ اللحظة األولى له وهى ثابتة للدولة‪،‬‬
‫وأن منفذ المشروع يقوم فقط باستئجاره منها لالستفادة‪ ،‬ثم يعيده إلى الدولة مرة آخرى بعد نهاية‬
‫مدة عقد االيجار‪.‬‬

‫‪ /2‬عقد التأجير والتجديد والتشغيل ونقل الملكية – ‪Lease – Renovate – Operate‬‬


‫مشروعا ما يحتاج‬
‫ً‬ ‫‪ :)L.R.O.T( Transfer‬وتتميز هذه الصورة من العقود بأن الدولة تمتلك‬
‫إلى تجديد وصيانة‪ ،‬فتقوم بتأجيره ألحد الجهات كى تقوم بإجراء االصالحات والتجديدات‬
‫الالزمة‪ ،‬وذلك نظير السماح لها باالستفادة من عوائد المشروع‪ ،‬على أن تعيده للدولة فى نهاية‬
‫مدة عقد االيجار‪.‬‬

‫)‪ :)B.O.O‬وفى هذا‬ ‫‪ /3‬عقد البناء – الملكية – التشغيل‪Build – Own – Operate‬‬


‫العقد تقوم الدولة بإسناد تصميم المشروع وانشائه وادارته ألحد الجهات‪ ،‬ويظل المشروع مملوكا‬
‫لهذه الجهة‪ .‬وهذا العقد يتالئم مع المشروعات ذات الطابع المؤقت‪ ،‬والتى تفقد قيمتها بعد‬
‫استغاللها‪ ،‬لذلك ال تحرص الدولة على استرداده بعد انتهاء المشروع‪.‬‬

‫– ‪Design – Build operate‬‬ ‫‪ /2‬عقد التصميم والتشغيل والتمويل ونقل الملكية‬


‫‪ :)D.B.O.T(Transfer‬وهذه الصورة قريبة الشبه من عقد البوت‪ ،‬لكنها تتميز عنه فقط بأن‬
‫الجهة التى يسند إليها المشروع تتولى تصميمه‪.‬‬

‫– ‪Design – Promotion‬‬ ‫‪ /5‬عقد التصميم والترويج والبناء والتأجير و التحويل‬


‫‪ :)D.P.B.L.T) Build Lease - Transfer‬وفى هذا العقد تتولى الجهة المسئولة عن‬
‫المشروع القيام بتصميمه والترويج له وانشائه واستئجاره من الدولة لفترة ثم تعيده لها بعد ذلك‪.‬‬

‫وفى ظل تعدد صور هذه العقود‪ ،‬تبدو الحاجة ملحة إلى إبراز خصائص عقد البوت لتمييزه‬
‫عن غيره‪ ،‬وذلك على الفصيل التالى‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫خصائص عقد البوت(‪:)09‬‬

‫يتميز عقد البوت بمجموعة من الخصائص التى تميزه عن غيره من عقود البناء والتشغيل‬
‫اآلخرى‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪ / 0‬يعد من عقود االمتياز والمرافق العامة‪ ،‬ومن ثم فهو متقيد بالنظم الخاصة باالمتيازات‬
‫والمرافق العامة‪ ،‬ومن ثم األطراف ال يتمتعون بمطلق الحرية في تحديد االلتزامات والحقوق‬
‫الناشئة عن العقد‪.‬‬

‫‪ /6‬يتميز هذا العقد بأنه يعد من قبيل عقود االذعان‪ ،‬بالنظر إلى أنه يتعلق بخدمات محتكرة من‬
‫قبل الدولة‪ ،‬وتنفرد هى فى الغالب بصياغة الشروط والقواعد الحاكمة لهذا العقد‪.‬‬

‫‪ / 3‬يتميز هذا العقد بأنه من طائفة العقود طويلة المدة‪ ،‬حيث يستغرق تنفيذها عادة فترات زمنية‬
‫طويلة‪ ،‬األمر الذى يبرز أهمية مراعاة إجراء تعديالت فى بنوده بما يحفظ توازن مصالح أطرافه‪،‬‬
‫خاصة إذا ما طرأت مستجدات من شأنها أن تحدث اختالل فى توازن العقد‪.‬‬

‫‪ -‬االشكاليات القانونية المرتبطة بعقود البوت‪:‬‬

‫ورغم ما يحظى به عقد البوت من أهمية بالغة األثر‪ ،‬خاصة لدى الدول النامية كوسيلة‬
‫غالبا‬
‫مثلى إلنشاء المشروعات وانشاءات البنية التحتية‪ ،‬إال أن له العديد من السلبيات‪ ،‬التى ً‬
‫ما تتسبب فى إثارة المنازعات‪ ،‬والتى من أهمه(‪:)61‬‬

‫انتقاصا من سيادة الدولة على مواردها ومرافقها‪،‬‬


‫ً‬ ‫‪ /0‬تمثل هذه العقود فى كثير من الحاالت‬
‫وذلك بسبب سيطرة المستثمر األجنبي على المشروعات القومية واإلستراتيجية كالمطارات‬
‫والطرق‪ ،‬وادارة المرافق الحيوية والضرورية فى الدولة‪.‬‬

‫)‪ (19‬د‪.‬عبد الستار أبو غدة‪ ،‬عقد البناء والتشغيل واإلعادة )‪ (B.O.T‬وتطبيقه في تعمير األوقاف والمرافق العامة‪ ،‬منظمة‬
‫المؤتمر االسالمى‪ ،‬مجمع الفقه االسالمى الدولى‪ ،‬الدورة التاسعة عشرة‪ ،‬إمارة الشارقة ‪ -‬دولة اإلمارات العربية المتحدة‪،‬‬
‫ص‪.2‬‬

‫)‪ (23‬د‪.‬عبد الستار أبو غدة‪ ،‬عقد البناء والتشغيل واإلعادة ) ‪ ( B.O.T‬وتطبيقه في تعمير األوقاف والمرافق العامة‪،‬‬
‫منظمة المؤتمر االسالمى‪ ،‬مجمع الفقه االسالمى الدولى‪ ،‬الدورة التاسعة عشرة‪ ،‬إمارة الشارقة ‪ -‬دولة اإلمارات العربية‬
‫المتحدة‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ /6‬يستغرق تنفيذ هذه العقود فترات زمنية طويلة‪ ،‬قد تصل إلى ‪ 99‬عاماً‪ ،‬األمر الذى يتوقع‬
‫معه تغير الظروف المحيطة بإبرام العقد وقت تنفيذه‪ ،‬ومن ثم احتمالية اختالل التوازن العقدى‬
‫قائمة‪ ،‬األمر الذى يتسبب فى إثارة التنازع حول تعديل نصوص العقد بما يتالئم مع الظروف‬
‫الطارئة فى المستقبل‪.‬‬

‫‪ /3‬إرتباط هذه العقود بالمرافق العامة والمشاريع القومية يجعل المستثمر القائم عليها محتكر‬
‫لتقديم سلع وخدمات وثيقة االتصال بحاجة المواطنين‪ ،‬األمر الذى قد يتسبب فى إحداث نوع‬
‫من االجحاف بحقوقهم فى تلقى الخدمات االساسية والضرورية‪ ،‬وذلك نتيجة حرص المستثمر‬
‫على تحقيق أقصي ربح ممكن‪ ،‬دون مراعاة لحقوق المواطنين‪.‬‬

‫‪ /2‬يلجأ المستثمر األجنبي فى الغالب لإلستعانة بالخبرات والعمالة األجنبية فى تنفيذ وادارة‬
‫هذه المشروعات‪ ،‬األمر الذى يأتى على حساب العمالة الوطنية للدولة صاحبة المشروع‪.‬‬
‫التنفيذ واإلعداد والرقابة أيضاً غالباً تكون باستشارات وخبرات أجنبية‪.‬‬

‫غالبا‬
‫كثير بضوابط حماية المستهلك‪،‬خاصة قضايا التسعير‪ ،‬حيث أنه ً‬
‫‪ /5‬ال يبالى المستثمر ًا‬
‫ما يحرص على تحقيق أقصى ربح ممكن‪ ،‬دون مباالة بظروف المستهلك‪.‬‬

‫كثير بصيانة األصول الرأسمالية للمشروعات بمستوى مالئم‪،‬‬


‫‪ /2‬ال يلتزم المستثمر األجنبي ًا‬
‫خاصة إذا كان على وشك تسليم هذه المشروعات للدولة‪.‬‬

‫‪ /7‬يلجأ المستثمر إلى المبالغة فى تكاليف إنشاء المشروعات‪ ،‬خاصة التكاليف غير المباشرة‬
‫بسبب صلتها بالخبرات الدقيقة غير القابلة للتقييم السليم‪.‬‬

‫‪ /2‬يحرص المستثمر على استبعاد والية القضاء الوطنى للدولة‪ ،‬واالستعاضة عنه باللجوء‬
‫للقضاء الدولى والتحكيم‪ ،‬األمر الذى يحرم الدولة من االحتكام لقضائها الوطنى بخصوص‬
‫المنازعات التى تكون فيها طرف‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وبحق‪ ،‬أن المالحظات السابقة ليست مرتبط بمنهج عقد‬ ‫وكما يرى جانب من الفقه‬
‫(‪)60‬‬

‫البوت‪ ،‬ولكن بالممارسات التعاقدية للدولة بخصوص هذه العقود‪ ،‬حيث تتهاون الكثير من‬
‫الدول النامية فى كثير من مظاهر سيادتها التى عادة ما تحتفظ بها فى العقود التى تكون فيها‬
‫رضوخا لرغبات المستثمر‪ ،‬ولعظم حاجة الدولة لمثل هذه العقود الرتباطها‬
‫ً‬ ‫طرف‪ ،‬وذلك‬
‫الوثيق بخططها التنموية‪.‬‬

‫مدخال للعديد من المنازعات التى تثور بين الدولة‬


‫ً‬ ‫وتمثل االشكاليات القانونية السابقة عادة‬
‫والمستثمر‪ ،‬والالفت للنظر أن هذه المنازعات تتميز بمجموعة من الخصائص‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪ /0‬أن المنازعة بين الدولة والمستثمر ال تأخذ طابع الندية والخصومة بالمعنى المعروف فى‬
‫غالبا ما ترتكز على وجود نوع من اختالل التوازن اإلقتصادى فى‬
‫المنازعات التقليدية‪ ،‬ولكنها ً‬
‫العقد‪ ،‬األمر الذى يحتاج إلى استعادة هذا التوازن‪ ،‬واإلبقاء على العقد‪ ،‬بمعنى أخر‪ ،‬يجب أن‬
‫تهمين على مجريات فض المنازعة توجهات التوفيق بين المصالح المتعارضة بقاء واستمرار‬
‫العقد‪ ،‬وليس فض عراه‪.‬‬

‫‪ /6‬تتميز عقود البوت بأنها تعد من قبيل العقود المستمر‪ ،‬أى تلك التى تستمر فيها أداءات‬
‫األطراف بشكل متبادل ومستمر طوال مدة تنفيذ العقد‪ ،‬ومن ثم يجب أال يتسبب طول أمد‬
‫النزاع فى تفاقم الخسائر‪ ،‬ويجب أن يتم تسوية النزاع بما يضمن سرعة استعادة توازن العقد‪.‬‬

‫‪ / 3‬تتسم عقود البوت بأنها من العقود ذات الطابع الفنى‪ ،‬التى تحتاج عند التصدى للمنازعات‬
‫الناشئة عنها إلى وجود من يمتلكون الخبرة الفنية وليس القانونية فقط‪ ،‬األمر الذى يظهر‬
‫خصوصية التحكيم فى مواجهة القضاء كوسيلة مناسبة لمثل هذا النوع من المنازعات‪ ،‬بإعتبار‬
‫أنه يسمح بدخول عناصر فنية على دراية بشئون اإلنشاءات والمقاوالت ضمن تشكيل هيئة‬
‫التحكيم(‪.)66‬‬

‫)‪ (21‬د‪.‬عبد الستار أبو غدة‪ ،‬عقد البناء والتشغيل واإلعادة ) ‪ ( B.O.T‬وتطبيقه في تعمير األوقاف والمرافق العامة‪،‬‬
‫منظمة المؤتمر االسالمى‪ ،‬مجمع الفقه االسالمى الدولى‪ ،‬الدورة التاسعة عشرة‪ ،‬إمارة الشارقة ‪ -‬دولة اإلمارات العربية‬
‫المتحدة‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫)‪ (22‬د‪ .‬أحمد على السيد خليل‪ ،‬بدائل التقاضي عند تسوية المنازعات الناشئة عن عقد مقاوالت أعمال الهندسة المدنية‪،‬‬
‫المؤتمر الثامن عشر‪ ،‬عقود البناء والتشييد بين القواعد القانونية التقليدية والنظم القانونية المستحدثة‪ ،‬كلية القانون جامعة‬
‫االمارات العربية المتحدة‪،‬ص‪.571‬‬

‫‪10‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫طبيعة منازعات عقود البوت ومبررات اللجوء للتحكيم‬

‫أواال‪ /‬المخاطر االقتصادية والمالية لعقود البوت‪:‬‬

‫تتميز المنازعات الناشئة عن عقود البوت بطابع مميز يعكس خصوصية هذه العقود‬
‫وخصوصية الطرق واجبة االتباع لفض منازعاتها‪ .‬ويتمثل هذا الطابع المميز في الصبغة المالية‬
‫واالقتصادية لمنازعات هذه العقود‪ .‬ولتوضيح هذا األمر‪ ،‬يجب أن نتعرض أوال‪ /‬ألسباب نشوء‬
‫وثانيا‪ /‬لصور المخاطر المالية واالقتصادية لهذه‬
‫ً‬ ‫المخاطر المالية لمشروعات البوت‪،‬‬
‫المشروعات‪ ،‬وذلك على التفصيل التالي‪:‬‬

‫‪ /1‬أسباب حدوث المخاطر المالية واالقتصادية لعقود البوت‪:‬‬

‫تتعدد أسباب نشوء المخاطر المالية واالقتصادية لعقود البوت والتي تؤدى إلى عدم تنفيذ هذا‬
‫العقد‪ ،‬وتتشابه هذه األسباب في غالبية المنازعات التي تثور بخصوص هذه العقود‪ .‬ويمكن‬
‫إرجاع هذه المنازعات إلى عدة أسباب‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫أ‪ -‬عدم وجود نظام قانونى خاص ينظم عقود البوت لدى غالبية الدول المضيفة‬
‫لالستثمار‪:‬‬

‫كما سبق أن ذكرنا تتمتع عقود البوت بمجموعة من الخصائص التي تعكس خصوصية القواعد‬
‫القانونية التي يجب أن تطبق على هذه العقود لتراعى هذه الخصائص‪ ،‬ومن ثم إذا غابت مثل‬
‫هذه القواعد‪ ،‬وأسند أمر هذه العقود لحكم القواعد العامة‪ ،‬فإن النتيجة المترتبة على ذلك بالضرورة‬
‫هي حدوث المشاكل والمنازعات‪.‬‬

‫وتكمن أهم مواطن الخطورة في غياب تنظيم قانونى خاص لهذه العقود‪ ،‬في أن المستثمر‬
‫األجنبي يلجأ الستغالل هذا الفراغ والنقص التشريعي في استنزاف موارد الدولة وثرواتها بحكم ما‬
‫له من سيطرة عليها‪ ،‬األمر الذى يضر بشدة باقتصاديات الدول المانحة لالستثمار‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وقد شه د على خطورة هذا السبب المنازعات التي نشأت عن عقود البوت في مصر ولبنان‬
‫والسودان‪ ،‬وغيرها من الدول العربية(‪.)20‬‬

‫ب‪ -‬غياب الشفافية في كثير من األمور المحيطة بعقود البوت‪:‬‬

‫تتسم عقود البوت أنها تعد من قبيل العقود االقتصادية الضخمة التي تحتاج إلى مبالغ طائلة‬
‫وخبرات فنية متخصصة‪ ،‬لذلك يلجأ المستثمر األجنبي قبل اتخاذ ق ارره باالستثمار في دولة ما‬
‫إلى إجراء الدراسات االقتصادية والمحاسبية المتعمقة للوقوف على جدوى على هذه المشروعات‬
‫تجنبا للمخاطر التي يمكن أن تعصف بمشروعه االستثماري‪.‬‬
‫من عدمه‪ ،‬وذلك ً‬

‫ومن هنا بدت أهمية اإلفصاح والشفافية من قبل الدولة المضيفة لالستثمار عن كافة البيانات‬
‫المتعلقة بواقعها االستثماري‪ ،‬من حيث ما تحققه شركات القطاعين العام والخاص من مكاسب‬
‫وخسائر‪ ،‬وحال سوق األوراق المالية‪ ،‬وغيرها من البيانات االقتصادية والمالية ذات التأثير‬
‫المباشر على االستثمار‪.‬‬

‫هذا وقد كشفت االحصائيات الصادرة عن المنظمة العالمية للشفافية عن انخفاض نسبة‬
‫الشفافية واإلفصاح لدى العديد من الدول‪ ،‬خاصة الدول العربية(‪ ،)21‬وأن هذا األمر كان ذات‬
‫تأث ير سلبي على جذب االستثمارات األجنبية للمشاركة في عمليات التنمية االقتصادية في هذه‬
‫الدول‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬مبررات اللجوء للتحكيم في عقود البوت‪:‬‬


‫ا‬

‫)‪ (20‬محمد محمود عبد هللا يوسف‪ ،‬المخاطر االقتصادية والمالية لمشروعات الـ ‪ B.O.T‬مع التعرض لتجارب عربية‪،‬‬
‫ص‪ ،7‬بحث متاح على الموقع اإللكتروني التالي‪:‬‬

‫‪http://www.cpas-egypt.com/pdf/Mohamed_Yossef/Research_Other/PDF/009.pdf‬‬

‫)‪ (21‬راجع‪:‬‬

‫‪Transparency international, Corruption Perceptions Index 2012, available at:‬‬


‫‪http://www.transparency.org/cpi2012/results‬‬

‫تاريخ زيارة الموقع‪2311/1/03 :‬‬

‫‪15‬‬
‫ظل التحكيم لفترة زمنية طويلة ال تعرف المنازعات التى تكون الدولة طرفًا فيها طريقًا إليه‪،‬‬
‫حيث كانت الدولة حريصة أشد الحرص على االحتكام لقضائها الوطنى فى المنازاعت التى تكون‬
‫مظهر من مظاهر سيادتها‪ ،‬وحصن حصين لحماية حقوقها‪ .‬لكن لم تصمد‬
‫ًا‬ ‫طرفًا فيها‪ ،‬بإعتباره‬
‫كثيرا‪ ،‬خاصة النامية أمام تشبث المستثمر األجنبي بعدم اللجوء للقضاء الوطنى واللجوء‬
‫الدول ً‬
‫للتحكيم‪ ،‬وذلك لحرصها على جذب االستثمارات الالزمة لتحقيق خطط التنمية لديها‪ .‬األمر الذى‬
‫دفع بالعديد من التشريعات إلى إجازة اللجوء للتحكيم فى العقود التى تكون الدولة فيها طرف‪.‬‬
‫وبقي رغم ذلك اللجوء للتحكيم أمر ال تقبله الدولة بقناعة تامة‪ ،‬ويحرص عليه المستثمر بشدة‪،‬‬
‫وذلك للمبررات التالية‪:‬‬

‫دائما لمصالح‬
‫ظنا منه أنه سوف ينحاز ً‬ ‫‪ /0‬خشية المستثمر من عدم حياد القضاء الوطنى‪ً ،‬‬
‫دائما باللجوء للتحكيم لدى جهة ليست‬
‫الدولة على حساب مصالحه الخاصة‪ ،‬لذلك فهو يتمسك ً‬
‫ضمانا للحياد‪.‬‬
‫ً‬ ‫تابعة للدولة‪،‬‬

‫‪ /6‬حاجة المنازعات الخاصة بعقود البوت إلى وجود العنصر الفنى ضمن تشكيل هيئة التحكيم‪،‬‬
‫لغلبة الطابع الفنى على هذه المنازعات‪ ،‬ومن ثم الحاجة إلى مراعاة ذلك بشدة أعضاء هيئة‬
‫التحكيم‪ ،‬وهو األمر الذى يصعب تحققه بخصوص القضاء الوطنى‪.‬‬

‫‪ /3‬تميز التحكيم بالسرعة فى فض منازعات عقود البوت مقارنة بالقضاء الوطنى‪ ،‬فاألخير عادة‬
‫طويال ال يتناسب مع ما تحتاجه منازعات عقود البوت من‬
‫ً‬ ‫ما يستغرق نظر المنازعات أمامه وقتًا‬
‫قصر أمد النزاع‪ ،‬بالنظر لما تتميز به هذه العقود من كونه عقود مستمرة‪،‬التى يترتب على وقف‬
‫ار إقتصادية فادحة لكافة أطراف العقد‪ ،‬ومن ثم تبدو الحاجة ملحة بخصوصها إلى‬
‫تنفيذها أضرًا‬
‫سرعة استقرار المراكز القانونية‪ .‬ولعل هذه السرعة فى فض النزاع لذات أثر قوى فى توفير الوقت‬
‫والنفقات‪ ،‬وذلك مقارنة بالقضاء الذى يستغرق وقتًا طويال واجراءات متعددة وطويلة‪.‬‬

‫‪ /2‬التحكيم يضمن سرية المنازعات المنظورة من قبله‪ ،‬فعالنية جلسات القضاء‪ ،‬ومتابعة وسائل‬
‫أمور قد ال تكون مقبولة بخصوص منازعات عقود البوت‪ ،‬التى تحتاج إلى‬
‫االعالم لتفاصيلها ًا‬
‫الحفاظ على سريتها‪ ،‬لحرص أطراف النزاع على عدم العلم بمراكزهم المالية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬
‫أبدا إستمرار العالقة بين طرفى النزاع‪.‬‬
‫بغية أال يتفاقم النزاع بشكل كبير‪ ،‬على نحو ال يخدم ً‬

‫‪16‬‬
‫بعيدا عن ندية الخصومة المتعارف عليها فى أروقة‬
‫‪ /5‬مراعاة التحكيم للتسوية الدوية للنزاع ً‬
‫غالبا ما يسعى لفض الخصومة على النحو الذى قد يؤدى إلى قطع‬
‫المحاكم‪ ،‬حيث أن القضاء ً‬
‫وثاق العالقة بين األطراف‪ ،‬وهو األمر الذى ال يتناسب مع ما تحتاجه منازعات عقود البوت‪،‬‬
‫غالبا ما تتمثل المنازعات الناشئة عنها فى إختالل التوازن االقتصادى للعقد على أثر‬
‫التى ً‬
‫الظروف الطارئة التى تعترض تنفيذه‪ ،‬األمر الذى يحتاج إلى إعادة التفاوض على شروط العقد‬
‫وبنوده‪ ،‬فى أجواء من التسوية الودية والتراضي بين األطراف‪ ،‬وهو ما يتاح تحقيقه من خالل‬
‫جلسات التحكيم‪ ،‬وهو ما يصعب التوصل اليه فى مرافعات المحاكم‪.‬‬

‫ورغم ما يحظى به التحيكم من مزايا لفض منازعات عقود البوت ‪ B.O.T‬بطريق التحكيم‪،‬‬
‫إال أنه رغم ذلك توجد العديد من العقبات القانونية والقانونية التى تعترض اللجوء اليه‪ ،‬وأهمها‪:‬‬

‫أواال‪ /‬العقبات القانونية‪:‬‬

‫أحتدم الخالف بين بين التشريعات والفقه القانونى فترة طويلة من الزمن حول مدى إمكانية‬
‫اللجوء للتحكيم فى المنازعات التى تكون الدولة فيها طرف‪.‬‬

‫فقد نص قانون المرافعات المصري الملغي( المواد ‪ )503-510‬على عدم جواز اللجوء‬
‫للتحكيم فى المنازعات التى تكون الدولة أو أحد إداراتها طرفًا فى النزاع‪ .‬وقد أقر مجلس الدولة‬
‫المصر هذا االتجاه لفترات طويلة من الزمن‪ ،‬فقد صدر رأى عن قسم الفتوى والتشريع فى ‪66‬‬
‫فبراير لسنة ‪ 0997‬يؤكد ذلك‪ ،‬بناء على أن مجلس الدولة هو الجهة القضائية المنوط بها نظر‬
‫المنازعات التى تكون الدولة فيه طرف‪.‬‬

‫وقد أستمر هذا الموقف فترة طويلة من الزمن‪ ،‬إلى أن عرضت أحد المنازعات المتعلقة‬
‫بالعقود اإلدارية على محكمة استئناف القاهرة عام ‪ ،0997‬والتى تلخصت وقائعها فى أن نزاع قد‬
‫ثار بين الهيئة العامة لآلثار وبين الشركة االنجليزية ‪ G.silver Night Company‬حول إجراء‬
‫ترميم فى متحف النوبة بأسوان‪ .‬وقد طلبت الهيئة العامة لآلثار من المحكمة إلغاء حكم التحكيم‬
‫الذى حصلت عليه الشركة االنجليزية‪ ،‬بسبب الطبيعة اإلدارية للعقد‪ ،‬ومن ثم عدم جواز اللجوء‬
‫للتحكيم بخصوصه‪.‬‬

‫والمالحظ أن محكمة االستئناف قد رفضت هذا الطلب‪ ،‬وذلك لألسباب التالية‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ /0‬أن المادة رقم (‪ )01‬من قانون مجلس الدولة حددت فقط إختصاصات القضاء اإلدارى فى‬
‫عالقته بالقضاء العادى‪ ،‬وهذا ال يعنى إستبعاد اللجوء للتحكيم‪.‬‬

‫‪ /6‬أن نص المادة (‪ )52‬من قانون مجلس الدولة قد حظر على الدولة أو أية هيئة عامة ابرام أو‬
‫قبول عقود‪ ،‬أو التوفيق أو التحكيم أو تنفيذ حكم تحكيم صادر فى عالقة تزيد قيمتها على‬
‫ضمنيا من‬
‫ً‬ ‫‪ 5111‬جنيه مصري‪ ،‬دون أخذ إذن مسبق من قبل االدارة المختصة‪ ،‬ومن ثم يستفاد‬
‫ذلك إمكانية اللجوء للتحكيم(‪.)65‬‬

‫ورغبة من قبل المشرع المصرى فى إزالة هذا الغموض‪ ،‬فقد أصدر فى عام ‪ 0997‬القانون‬
‫رقم ‪ 9‬بتعديل قانون التحكيم رقم ‪ 67‬لسنة ‪ ،0992‬حيث جاء فى المادة رقم (‪ )0‬من هذا‬
‫التعديل " مع عدم اإلخالل بأحكام اإلتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية‬

‫تسري أحكام هذاعلى كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أياً‬
‫كانت طبيعة العالقة القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجرى في مصر أو‬
‫كان تحكيماً تجارياً دولياً يجرى في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه ألحكام هذا القانون‪.‬‬

‫وقد نصت المادة (‪ )6/01‬من نظام التحكيم السعودي الصادر بال َمرسوم المل ّكي رقم م‪32/‬‬
‫بتاريخ ‪0233/5/62‬هـ على أنه على‪ " ،‬ال يجوز للجهات الحكومية االتفاق على التحكيم إال‬
‫بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء‪ ،‬ما لم يرد نص نظامي خاص يجيز ذلك"‪.‬‬

‫ويستفاد من هذا النص أن المنظم السعودى أقر إمكانية اللجوء للتحكيم إذا كانت الدولة طرفًا‬
‫فى النزاع‪ ،‬وان كان قد أشترط الحصول على موافقة مجلس الوزراء قبل االتفاق على التحكيم‪.‬‬

‫ثانيا‪/‬العقبات الواقعية‪:‬‬
‫ا‬

‫تصنف عقود البوت على أنه من العقود المركبة‪ ،‬تلك التى تنطوى على عدة عقود مترابطة‬
‫فيما بينها لخدمة هدف واحد‪.‬‬

‫)‪ (25‬راجع هذا الحكم لدى‪ :‬د‪.‬سامي عبدالباقي أبو صالح‪ ،‬آليات حماية البنوك الممولة لمشروعات البنية األساسية‬
‫المدارة وفقًا لنظام ‪ B.O.T‬وعوائق اللجوء للتحكيم لحل المنازعات الناشئة عن تنفيذ هذه المشروعات‪ ،‬المؤتمر الثامن‬
‫عشر لكلية الشريعة والقانون جامعة االمارات العربية المتحدة‪" ،‬عقود البناء والتشييد بين القواعد القانونية التقليدية والنظم‬
‫المستحدثة‪ ،‬خالل الفترة من ‪ 21-19‬أبريل‪ ،2313 ،‬ص‪.161‬‬

‫‪12‬‬
‫ففى عقد البوت‪ ،‬هناك العديد من األطراف المتباينة أدوارهم وأهدافهم؛ فهناك راعاة المشروع‬
‫الملتزمون بصورة رسمية ببناء واستغالل مشروع معين‪ ،‬وهناك المقرضين‪ ،‬الذين يمنحون‬
‫القروض للرعاة‪ ،‬على أم استرداده من عائدات المشروع‪ ،‬وهناك خلف كل هؤالء الدولة‪ ،‬مانحة‬
‫االمتياز‪ ،‬يضاف لكل ذلك عقود التمويل وعقود الطاقة ونقل التكنولوجيا وغيرها‪.‬‬

‫وعلى أثر تعدد العقود تتشعب االلتزامات والحقوق الناشئة عنها‪ ،‬وذلك على النحو الذى من‬
‫المتوقع معه إثارة العديد من المنازعات المتداخلة والمترابطة فى ذات الوقت‪ ،‬وتثير العديد من‬
‫االشكاليات‪ ،‬أهمها‪ :‬هل هذه العقود المتعددة محكومة بموجب اتفاق تحكيم واحد‪ ،‬أم يجب أن‬
‫تجنبا‬
‫يكون لكل منها تفاق خاص ومستقل؟ وهل يفضل تنظيم عدة تحكيمات لجميع هذه العقود ً‬
‫لتعارض األحكام‪ ،‬أم يكفى الخضوع لنظام تحكيم واحد؟‬

‫ويقتضى األمر التعرض لفكرة التحكيم متعدد األطراف‪ ،‬والتحكيم ثنائي األطراف‪ ،‬وذلك على‬
‫التفصيل التالى‪:‬‬

‫أواال‪ /‬التحكيم متعدد األطراف فى عقود البوت‪:‬‬

‫لم تكن مهمة وضع تعريف محدد للتحكيم متعدد األطراف بالمهمة السهلة‪ ،‬حيث حيث أختلف‬
‫الفقه القانونى على نفسه وتعددت تعريفاته بتعدد زواياه ومقاصده‪ ،‬فقد عرفه جانب من الفقه بأنه‬
‫أيضا بأنه‬
‫عبارة عن عن التحكيم الذى تؤدى إجراءاته إلى إشتراك أكثر من شخصين فيه‪ .‬عرف ً‬
‫عبارة عن بأنه التحكيم الذي تتعدد أطرافه وتتجه إرادتهم نحو توحيد إجراءات الخصومة سواء قبل‬
‫أيضا بأنه عبارة عن التحكيم الذى تتعدد أطرافه سواء قبل‬
‫حدوث النزاع أو بعد حدوثه‪ .‬عرف ً‬
‫وقوع النزاع أو بعد وقوعه‪ ،‬وأن يكون بينهم مصالح متعارضة(‪.)62‬‬

‫واللجوء للتحكيم متعدد األطراف فى عقود البوت يفترض موافقة جميع أطراف النزاع على‬
‫اللجوء إليه إذا ما ثارت منازعة متعددة األطراف بخصوص تنفيذ العقد‪ ،‬وقد تظهر هذه الموافقة‬

‫)‪ (26‬راجع هذه التعريفات لدى‪ :‬صفاء تقى عبد نور العيساوى‪ ،‬التحكيم متعدد األطراف كأسلوب لتسوية منازعات عقود‬
‫التجارة الدولية‪ ،‬بحث متاح على الموقع االلكترونى التالى‪:‬‬

‫‪http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=32892‬‬
‫تاريخ زيارة الموقع‪.1294/4/9 :‬‬

‫‪19‬‬
‫مثال‬
‫فى صورة اتفاق متعدد األطراف‪ ،‬أو أن يحدث نوع من الحلول بحلول البنك (المقرض) ً‬
‫محل أحد أطراف عقد البوت (العميل المقترض) (‪.)67‬‬

‫ويحقق التحكيم متعدد األطراف بهذا المعنى العديد من المزايا لمنازعات البوت‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪ /0‬تجنب صدور أحكام تحكيم متعارضة إذا ما تعددت المنازعات‪.‬‬

‫‪ /6‬السرعة فى فض العديد من المنازعات فى ذات الوقت‪ ،‬بما يحقق مصلحة األطراف المتنازعة‬
‫سواء من حيث اإلقتصاد فى النفقات‪ ،‬أم من حيث سرعة العودة لتنفيذ العقد‪ ،‬الذى يتميز بأنه من‬
‫العقود المستمر‪ ،‬التى يؤثر توقفها على مصالح األطراف فيها‪.‬‬

‫‪ /3‬توحيد المعاملة القانونية بين جميع المتنازعين فى عقد البوت‪ ،‬لوحدة الجهة القائمة على نظر‬
‫منازعاته‪ ،‬األمر الذى يحقق نوع من المساواة بين المتنازعين‪.‬‬

‫وعلى الرغم من المزايا السابقة‪ ،‬إال أن هناك بعض العقبات التى تعترض تطبيق هذا النوع من‬
‫التحكيم فى الواقع‪ ،‬وأهمها على اإلطالق تعارض مصالح أطراف الخصومة‪ ،‬وصعوبة التوفيق‬
‫بينها‪ ،‬والتى تتجلي فى الحاالت التالية‪:‬‬

‫‪ /1‬المنازعة فى حالة وجود مقاول من الباطن‪:‬‬

‫ويظهر وجود المقاول من الباطن فى حالة قيام الشركة صاحبة االمتياز باالتفاق مع مقاول‬
‫لتنفيذ اإلنشاءات المطلوبة‪ ،‬فيقوم األخير بالتعاقد مع مقاول من الباطن لتنفيذ المشروعات‬
‫المطلوبة‪ .‬وفى هذا الفرض من المتصور أن تثور منازعة بين الشركة صاحبة االمتياز وبين‬
‫المقاول من الباطن‪ ،‬أو بين المقاول األصلى والمقاول من الباطن‪ ،‬وذلك على التفصيل التالى‪:‬‬

‫أوال‪ /‬المنازعة بين المقاول األصلي والمقاول من الباطن‪:‬‬

‫فى هذه الحالة ال تملك الشركة صاحبة االمتياز إال الرجوع على المقاول األصلي إلخالله‬
‫بتنفيذ المشروع وفق العقد الذى ينظم العالقة بينهما‪ ،‬وال تملك الشركة فى هذه الحالة الرجوع على‬

‫)‪ (27‬د‪.‬سامي عبدالباقي أبو صالح‪ ،‬آليات حماية البنوك الممولة لمشروعات البنية األساسية المدارة وفقًا لنظام ‪B.O.T‬‬
‫وعوائق اللجوء للتحكيم لحل المنازعات الناشئة عن تنفيذ هذه المشروعات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.161‬‬

‫‪23‬‬
‫المقاول من الباطن‪ ،‬لعدم وجود عالقة بينهما‪ .‬لكن هذا ال يمنع المقاول األصلى من الرجوع على‬
‫المقاول من الباطن‪ ،‬أو إدخاله فى الدعوى‪ ،‬بحيث يجمع المقاول األصلى فى هذه الحالة بين‬
‫صفتين‪ :‬صفته كمدعى عليه (فى مواجهة الشركة صاحبة االمتياز)‪ ،‬وصفته كمدعى فى مواجهة‬
‫المقاول من الباطن‪ .‬وتبدو للتحكيم المتعدد فى هذا الفرض فائدة كبري‪ ،‬وهى أن المقاول األصلى‬
‫متضامنا معه فى تحمل‬
‫ً‬ ‫يتمكن من جعل الحكم حجة فى مواجهة المقاول من الباطن‪ ،‬فيجعله‬
‫أعباء المسئولية‪ ،‬يضاف لذلك أنه يوفر عليه نفقات رفع دعوى مستقلة فى مواجهة المقاول من‬
‫الباطن(‪.)62‬‬

‫ثانيا المنازعة بين الشركة صاحبة المشروع والمقاول من الباطن‪:‬‬


‫ا‬

‫األصل هو عدم وجود عالقة مباشرة بين الشركة صاحبة االمتياز والمقاول من الباطن‪ ،‬لكن‬
‫هذا ال يمنع من قيام الشركة بإختصامه بمناسبة الدعوى المرفوعة على المقاول األصلى‪ ،‬وذلك‬
‫كما لو أن المقاول األصلى قد حصل على موافقة الشركة بتعين مقاول من الباطن‪ ،‬حيث يعد‬
‫متضامنا معه فى تحمل تبعات‬
‫ً‬ ‫وكيال عن األول‪ ،‬ومن ثم يصبح‬
‫ً‬ ‫األخير فى مثل هذه الحالة‬
‫وملتزما بما ألتزم به‪ ،‬خاصة اللجوء للتحكيم كما هو متفق عليه‪ .‬كما يمكن للشركة‬
‫ً‬ ‫المسئولية‪،‬‬
‫أيضا الرجوع على المقاول من الباطن بموجب دعوى االثراء بال سبب‪.‬‬
‫ً‬

‫ثانيا‪ /‬التحكيم ثنائي األطراف‪:‬‬


‫ا‬

‫وهذا الشكل من أشكال التحكيم يتم من خالل اتفاق طرفى عقد البوت (الدولة أو أحد‬
‫مؤسساتها مع المقاول) على أن يتم اللجوء للتحكيم لفض ما قد يثور من منازعات بخصوص‬
‫تنفيذ العقد الذي يجمع بينهما‪.‬‬

‫ويتم فى العادة االتفاق على كافة التفاصيل المتعلقة بتعين الجهة وفريق التحكيم واالجراءات‬
‫الواجبة‪ ،‬وغيرها من التفاصيل‪.‬‬

‫وعلى الرغم من المزايا التى يقدمها التحكيم بأشكاله المختلفة فى فض منازعات عقود‬
‫البوت‪ ،‬إال إن هناك العديد من العيوب والسلبيات التى تؤثر على أدائه‪ ،‬أهمها؛ أن جهات‬

‫)‪ (22‬د‪.‬سامي عبدالباقي أبو صالح‪ ،‬آليات حماية البنوك الممولة لمشروعات البنية األساسية المدارة وفقًا لنظام ‪B.O.T‬‬
‫وعوائق اللجوء للتحكيم لحل المنازعات الناشئة عن تنفيذ هذه المشروعات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.162‬‬

‫‪21‬‬
‫(غالبا الشركات دولية النشاط) على حساب‬
‫ً‬ ‫غالبا ما تتحيز للمستثمر األجنبي‬
‫التحكيم األجنبية ً‬
‫الدولة المضيفة لإلستثمار‪ .‬وقد كان من أبرز القضايا التحكيمية التى جسدت هذا الواقع‪ ،‬وقد‬
‫كان من أبرز القضايا التحكيمية التى جسدت هذا الواقع‪ ،‬قضية الشيخ شخبوط‪ ،‬حيث رفض‬
‫المحكم تطبيق القانون االماراتى وطبق بدال منه القانون االنجليزي‪ ،‬بحجة أن األخير يمثل‬
‫المبادىء العامة للقانون‪ .‬وفى قضية أرامكو قامت هيئة التحكيم بتطبيق قواعد القانون الدولى‬
‫العام‪ ،‬رغم اتفاق الحكومة السعودية مع هذه الشركة على تطبيق القانون السعودى‪ ،‬األمر الذى‬
‫رفضته هيئة التحكيم بحجة أن هذا القانون يطبق الشريعة االسالمية‪ ،‬وأن أحكامها ال تكفي‬
‫لتسوية منازعات االستثمار الخاصة بعقود البترول(‪.)69‬‬

‫الفصل الثانى‬

‫مدى قدرة المحكم على استبعاد القانون الواجب التطبيق على عقود البوت‬

‫(تحديد القانون الواجب التطبيق على عقود البوت)‬

‫نص نظام التحكيم السعودي الصادر بال َمرسوم المل ّكي رقم م‪ 32/‬بتاريخ ‪0233/5/62‬هـ في‬
‫المادة الثانية منه على أنه " مع عدم اإلخالل بأحكام الشريعة اإلسالمية وأحكام االتفاقيات‬
‫الدولية التي تكون المملكة طرفًا فيها‪ ،‬تسري أحكام هذا النظام على كل تحكيم‪ً ،‬أيا كانت طبيعة‬
‫تحكيما‬
‫ً‬ ‫العالقة النظامية التي يدور حولها النزاع‪ ،‬إذا جرى هذا التحكيم في المملكة‪ ،‬أو كان‬

‫)‪ (29‬د‪ .‬كامران حسين الصالحي‪ ،‬وسائل تسوية منازعات عقود ‪ B.O.T‬بطرق ودية (التحكيم كنموذج)‪ ،‬فى ضوء‬
‫القانون االماراتي‪ ، ،‬المؤتمر الثامن عشر لكلية الشريعة والقانون جامعة االمارات العربية المتحدة‪ ،‬بعنوان "عقود البناء‬
‫والتشييد بين القواعد القانونية التقليدية والنظم المستحدثة"‪ 19-91،‬أبريل ‪ ،1292‬ص‪.911‬‬

‫‪22‬‬
‫دوليا يجرى في الخارج‪ ،‬واتفق طرفاه على إخضاعه ألحكام هذا النظام‪ .‬وال تسري أحكام‬
‫تجارًيا ً‬
‫هذا النظام على المنازعات المتعلقة باألحوال الشخصنة‪ ،‬والمسائل التي ال يجوز فيها الصلح‪.‬‬

‫دوليا في حكم هذا النظام إذا كان‬


‫أيضا المادة الثالثة من ذات النظام على يكون التحكيم ً‬
‫نصت ً‬
‫موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية‪ ،‬وذلك في األحوال اآلتية‪:‬‬

‫‪ /0‬إذا كان المركز الرئيس ألعمال كل من طرفي التحكيم يقع في أكثر من دولة وقت إبرام‬
‫اتفاق التحكيم‪ ،‬فإذا كان ألحد الطرفين عدة مراكز لألعمال فالعبرة بالمركز األكثر ارتباطًا‬
‫بموضوع النزاع‪ ،‬واذا لم يكن ألحد طرفي التحكيم أو كليهما مركز أعمال محددة فالعبرة بمحل‬
‫إقامته المعتاد‪.‬‬

‫‪ /6‬إذا كان المركز الرئيس ألعمال كل من طرفي التحكيم يقع في الدولة نفسا وقت إبرام اتفاق‬
‫التحكيم‪ ،‬وكان أحد األماكن اآلتي بيانها واقعاً خارج هذه الدولة‪:‬‬

‫أ ‪-‬مكان إجراء التحكيم كما عيَّنه اتفاق التحكيم‪ ،‬أو أشار إلى كيفية تعيينه‬

‫ب ‪-‬مكان تنفيذ جانب جوهري من االلتزامات الناشئة من العالقة التجارية بين الطرفين‪.‬‬

‫ج ‪-‬المكان األكثر ارتباط اً بموضوع النزاع‪.‬‬

‫‪ /3‬إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة‪ ،‬أو هيئة تحكيم دائمة‪ ،‬أو مركز للتحكيم يوجد‬
‫مقره خارج المملكة‪.‬‬

‫‪ /2‬إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله اتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة‪.‬‬

‫واذا كانت النصوص السابقة قد عالجت بصورة صريحة ضوابط اإلسناد فيما يتعلق بالقانون‬
‫الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم‪ ،‬إال أنها لم تولى خصوصية لعقود البوت‪ ،‬الذى تظهر‬
‫تطبيقاته العملية‪ ،‬رغبة المستثمر األجنبي في الغالب من التهرب من الخضوع للقانون الوطنى‬
‫لدولة االستثمار‪ ،‬وتحديد قانون أخر يتم االتفاق عليه‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫اءا هو خضوع العقد الدولى لقانون االرادة؛ أى القانون الذى اختاره‬
‫من المستقر عليه فقهًا وقض ً‬
‫المتعاقدين بإرادتهم الحرة‪ ،‬لكن السؤال الذى يثور فى هذا الصدد هل يملك المحكم فى عقود‬
‫ضمنا؟‬
‫ً‬ ‫البوت أن يستبعد القانون الذى اتفق اطرافه على تطبيقه صراحة أو‬

‫المبحث األول‬

‫حاالت إختيار قانون العقد فى عقود البوت‬

‫االختيار الصريح للقانون الواجب التطبيق على العقد‪:‬‬

‫كبير فى تحديد ضابط االسناد فيما يتعلق بتحديد القانون‬


‫دور ًا‬
‫تلعب إرادة أطراف عقد البوت ًا‬
‫الواجب التطبيق على العقد‪ ،‬ولعل هذا األسلوب هو األمثل؛ بالنظر إلى أنه يعظم من دور إرادة‬
‫األطراف من ناحية‪ ،‬كما أنه يجنب األطراف مشاكل ترك هذا األمر إلجتهاد هيئة التحكيم‪ ،‬الذى‬
‫قد يأتى غير محقق لمصالحهم‪.‬‬

‫وعلى أثر أهمية هذا األمر‪ ،‬فقد أصدر مجمع القانون الدولى فى دورة أثينا لسنة ‪ 0979‬ق ارره‪،‬‬
‫الذى حث فيه على ضرورة تحديد القانون الواجب التطبيق على عقودهم بشكل صريح‪ ،‬وذلك‬
‫أيضا عبر جانب من الفقه عن أهمية اختيار‬
‫لتجنب ما قد ينشأ عن عدم القيام بذلك من مشاكل‪ً .‬‬
‫المتعاقدين للقانون الواجب التطبيق‪ ،‬بالقول " من األهمية بمكان أن يضمن المتعاقدون عقدهم‬
‫بندا يحدد االختصاص التشريعى‪ ،‬فإذا هم عملوا ذلك‪ ،‬فإنهم يتصرفون كمن يبرم عقد‬
‫شرطًا أو ً‬
‫طا للمستقبل‪ ،‬وما قد يكتنفه من أخطار"(‪.)03‬‬
‫تأمين على الحياة‪ ،‬تحو ً‬

‫دائما أطراف عقد البوت القانون الواجب‬


‫ويتضح من هذا العرض أنه يفضل أن يختار ً‬
‫دوليا‪ ،‬حيث أن من أكبر االشكاليات القانونية‬
‫التطبيق على عقدهم‪ ،‬خاصة إذا ما كان هذا العقد ً‬
‫التى يثور بخصوصها الجدل‪ ،‬تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد‪ ،‬خاصة وأن الدولة طرفًا‬
‫غالبا ما تتحيز لمصالح‬
‫ً‬ ‫فى هذه العقود‪ ،‬وأن هيئات التحكيم عندما يعرض عليها األمر‪،‬‬
‫المستثمر األجنبي على حساب الدولة المضيفة‪ ،‬األمر الذى تبدو معه أهمية اتفاق األطراف على‬

‫)‪ (03‬د‪ .‬محمد الروبي‪ ،‬التحكيم فى عقود التشييد واالستغالل والتسليم‪ ،‬بحث منشور بأعمال المؤتمر الدولى السادس‬
‫عشر لكلية الشريعة والقانون كلية القانون – جامعة االمارات العربية المتحدة ‪ ،‬بعنوان "التحكيم التجاري الدولي"أهم‬
‫الحلول البديلة لحل المنازعات التجارية"‪ ،‬المنعقد خالل الفترة من ‪ 03-22‬أبريل ‪ ،2332‬ص‪.151‬‬

‫‪21‬‬
‫تحديد القانون الواجب التطبيق‪ ،‬وذلك حتى يغلق باب التحكم من قبل هيئة التحكيم فى تحديد‬
‫قانون قد ال يحقق مصلحة الدولة‪ ،‬خاصة وأن األمر يتعلق بقيامها باالستثمار فى أحد مرافقها‬
‫العامة‪ ،‬ومن ثم وجب عليها أن تبذل مزيدا من الحيطة والحذر فى هذا األمر‪.‬‬

‫المبحث الثانى‬

‫واقع اختيار القانون الواجب التطبيق فى عقود البوت‪:‬‬

‫من خالل محاولة رصد الواقع العملي بخصوص ما جرى عليه العمل بخصوص تحديد القانون‬
‫الواجب التطبيق فى عقود البوت‪ ،‬يمكن إبداء المالحظات التالية‪:‬‬
‫اضحا الختيار األطراف لقانون العقد‪.‬‬
‫يحا وو ً‬
‫تحديدا صر ً‬
‫ً‬ ‫‪ /0‬تتضمن غالبية عقود البوت‬
‫‪ /6‬يكون القانون المختار من قبل األطراف فى غالبية عقود البوت هو القانون الوطنى للدولة‬
‫المتعاقدة‪ ،‬سواء أسند األمر للقانون الوطنى بصورة منفردة أم بمساعدة غيره من التشريعات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫ومن أمثلة العقود التى أسند األمر فيها للقانون الوطنى بصورة منفردة‪ ،‬ما قامت به الحكومة‬
‫المصرية من إبرام ثالثة عقود (‪ )B.O.T‬بغرض إنشاء مطارات بمرسي علم و أرس سدر‬
‫والعلمين‪ ،‬حيث نصت جميع هذه العقود على أن " يخضع هذا العقد لقوانين جمهورية مصر‬
‫العربية" (‪.)01‬‬

‫مدعما بقوانين أو تشريعات‬


‫ً‬ ‫أما األمثلة على العقود التى نصت على تطبيق القانون الوطنى‬
‫أخرى‪ ،‬فكان ما نص عليه عقد البوت المبرم بين حكومة مدغشقر واحدى الشركات الكندية عام‬
‫‪ 0992‬للقيام ببعض المشروعات التعدينية‪ ،‬حيث نصت المادة (‪ )33‬من العقد على القانون‬

‫)‪ (01‬لمزيد من المشروعات التى طبقت فى مصر طبقًا لنظام عقد البوت ‪ ،B.O.T‬راجع‪ :‬محمد محمود عبد هللا يوسف‪،‬‬
‫المخاطر االقتصادية والمالية لمشروعات الـ ‪ B.O.T‬مع التعرض لتجارب عربية‪ ،‬ص‪ ،1‬بحث متاح على الموقع‬
‫االلكترونى التالى‪:‬‬

‫‪http://www.cpas-egypt.com/pdf/Mohamed_Yossef/Research_Other/PDF/009.pdf‬‬

‫‪25‬‬
‫الواجب ال تطبيق على منازعات العقد هو قانون دولة مدغشقر‪ ،‬وفى حالة خلو نصوص هذا‬
‫القانون من نص ينظم المسألة المثارة‪ ،‬يجب على محكمة التحكيم أن تتلمس الحل فى األحكام‬
‫القضائية الصادرة فى دولة مدغشقر‪ ،‬فإن لم تجد ففى أحكام القضاء الفرنسي‪ ،‬وعلى وجه‬
‫الخصوص أحكام القضاء االدارى‪ ،‬فإن لم تجد فتطبق المبادىء العامة للقانون والممارسات‬
‫دوليا وأحكام القضاء المقارن المقررة بخصوص المسألة المعروضة"‬
‫المعترف بها ً‬
‫النتائج‬
‫‪ /0‬كشفت تحديات التنمية لدى المجتمعات المختلفة عن أهمية عقود البوت فى إنجاز‬
‫المشروعات التنموية‪.‬‬
‫‪ /6‬يعد مجال التشييد وال بناء من أهم مجاالت التجارة الدولية فى الوقت الراهن‪ ،‬بالنظر إلى حاجة‬
‫الدول النامية لمثل هذه المجاالت‪.‬‬
‫‪ /3‬أهمية إيالء مزيد من االهتمام بالبنيان القانوني والتنظيمي لعقود البوت‪ ،‬خاصة فى دول‬
‫الخليج العربي‪ ،‬لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الموارد المتاحة‪.‬‬
‫‪ /2‬ضرورة تغير النظرة التقليدية للتحكيم‪ ،‬وقبوله فى العقود التى تكون الدولة فيها طرف‪ ،‬مع‬
‫وضع الضوابط الالزمة خاصة فيما يتعلق بصياغة هذا الشرط فى عقود البوت‪.‬‬

‫التوصيات‬
‫خلصت هذه الدراسة لمجموعة من التوصيات‪ ،‬كان أهمها‪:‬‬
‫‪ /1‬ضرورة وضع تنظيم قانونى خاص يحكم وينظم كافة التفاصيل الخاصة بعقود البوت‪ ،‬خاصة‬
‫فيما يتعلق بألية فض المنازعات‪.‬‬
‫‪ / 2‬يجب على كل دولة أن تستعين بخبراء قانونيين فى مجال صياغة عقود االستثمار بصورة‬
‫عامة‪ ،‬وذلك لتفادى النتائج غير المرضية المترتبة على ضعف الصياغة‪ ،‬والتى تتضح فى‬
‫المحاكمات التى تتم‪.‬‬
‫‪ /3‬يجب ايالء عناية خاصة بشروط الثبات التشريعى وعدم المساس الواردة فى عقود البوت‪،‬‬
‫خاصة فيما يتعلق بشرط التحكيم‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ /2‬يجب توسعة نطاق الهيئات والمؤسسات العربية القائمة على التحكيم فى عقود البوت‪ ،‬وذلك‬
‫دائما تنتصر لمصالح المستثمر األجنبي على حساب‬
‫تجنبا للجوء لجهات التحكيم األجنبية‪ ،‬التى ً‬
‫ً‬
‫الدولة المضيفة لالستثمار‪.‬‬
‫‪ / 5‬يجب انشاء اتحاد خليجي خاص بمقاوالت البناء والتشييد يهتم بإصدار توصيات دورية‬
‫بخصوص االستثمار فى مجال التشييد والبناء‪.‬‬

‫‪27‬‬

You might also like