Professional Documents
Culture Documents
عايدة فؤاد
1993
أنا أستطيع أن أفعل أي شيء في أي وقت ما دمت مقتنعة بأحقيتي في هذا الفعل ،ومادمت ل أضمر من ورائه
سوى الخير والسعادة لنفسي وللناس .وفيما عدا ذلك فأنا ل أخاف من الحياة ،بل أعشقها ،وكثي ار ما أستطيع المساك
بأوراق اللعب مع عبثها والتلعب بها أحيانا ،ول يهمني حينئذ لو أسفرت المقامرة عن مكسب أو خسارة.
بهدوء مفتعل دخلت المبنى الداري للمتحف .سبق لي أكثر من مرة أن تبادلت الحديث مع نجوى ولمياء..
الفتاتان الوحيدتان اللتان تعملن معه في الدارة من جنس النساء .كنت أعلم أن حليم يقضي حاجة للسرة في
ذلك الوقت ،ولكني سألتهما عنه ببراءة.قالت إحداهن:
قال إنه سيصل اليوم متأخ ار لعذر طارئ. -
هل تدعواني لتناول الشاي معكما؟ -
كان ترحيبهما بي حارا ،لكن لم يكن بالمكتب غيرهما .كان مدخلي لهدفي حديث من القلب عن رغبتي الكيدة في تجربة
النوم بداخل أحد التوابيت الرومانية لفترة طويلة بحيث تضمن بقائي على قيد الحياة .ضحكت الفتاتان بشدة ،لم تكن
إحداهما تتصور أن مانعي الوحيد من تنفيذ تلك الخاطرة هو التسبب في الضرار الدبي لزوجي في العمل ،أما لماذا
انتابتني تلك الرغبة بشدة كدت أفقد سيطرتي على مقاومتها ،فهذا ما لم أفكر فيه لحظة واحدة.
ترددت كثي ار قبل أن أفكر في سؤالهن عن الوافدة الجديدة التي وصفها أخي الشاذلي بالحيزبون ..وقبل أن
يدفعني الضطرار إلى البحث عن حيلة مبررة لمثل هذا السؤال فوجئت بسيدة وقور ذات ملمح جميلة تكاد تتطابق مع
ملمح أم حليم ،تدخل بابتسامة متعبة وتؤدي لنا جميعا تحية الصباح متجهة إلى غرفة أخرى – ربما كانت غرفة مكتبها
الخاصة – وتغلق من خلفها الباب.
أشعلت سيجارتي الثانية وأنا أتساءل بل مبالة مدروسة:
من هذه السيدة الصامتة كأبي الهول؟ -
إنها الدكتورة مريم. -
طبيبة بالمتحف؟ -
بل دكتورة في الثار. -
منذ متى تعمل هنا؟ -
منذ حوالي شهرين ..أل تعرفينها؟ -
نعم لست أعرفها لن حليم لم يحدثني عنها. -
إنها كانت معيدة بالقسم الذي تخرج فيه الستاذ حليم. -
يبدو أنها ميالة للنطواء. -
ولكنها شديدة الطيبة وتحترم الجميع. -
بعد قليل دخلت علينا مريم حاملة فنجان قهوتها .طلبت بلطف من الفتاتين أن يعقدا بيننا تعارفا .قالت إحداهن:
مدام عايدة حرم الستاذ حليم. -
قالت بثبات الهرام:
أهل وسهل شرفت المتحف. -
أصحيح أن زوجي كان تلميذك؟ -
بل كنت معيدة عليه لعامين فقط ،ولكن أين هو؟ -
فكرت أن أضفي جوا من المرح المصطنع أجوس من خلله في خزانة أفكاري المغلقة ،فقلت:
تقولن إنه سيتأخر لعذر طارئ لست أعرفه. -
الغائب حجته معه. -
أخشى أن يكون عند زوجته الثانية. -
وتبادلنا الضحك جميعا .فجأة سارعت مريم بالستئذان للذهاب إلى عملها دون أن تسمح لي بثغرة أنفذ منها إلى عقلها
أو بفرجة صغيرة ألقى من خللها نظرة خاطفة على قلبها ..وبقيت أثرثر مع الفتاتين حتى استقرت الطمأنينة في قلبي
وأدركت أن موقع الخطر ليس في هذا المكان ،فحليم ل يمكن أن يحب قطعة من الصلب ،بل إني لم أتذكر أن أسأل عن
مريم هذه قبل مغادرتي المتحف تاركة رسالة شكلية للفتاتين كي يسلماها لحليم عند عودته ،وبدون أية مناسبة أو
سابق تفكير دعوتهما للعشاء معنا بالمنزل وكنت سعيدة بقبولهما المشوب بالدهشة.
***