You are on page 1of 2

‫) ‪( 19‬‬

‫عايدة فؤاد‬
‫‪1993‬‬
‫أنا أستطيع أن أفعل أي شيء في أي وقت ما دمت مقتنعة بأحقيتي في هذا الفعل‪ ،‬ومادمت ل أضمر من ورائه‬
‫سوى الخير والسعادة لنفسي وللناس‪ .‬وفيما عدا ذلك فأنا ل أخاف من الحياة‪ ،‬بل أعشقها‪ ،‬وكثي ار ما أستطيع المساك‬
‫بأوراق اللعب مع عبثها والتلعب بها أحيانا‪ ،‬ول يهمني حينئذ لو أسفرت المقامرة عن مكسب أو خسارة‪.‬‬
‫بهدوء مفتعل دخلت المبنى الداري للمتحف‪ .‬سبق لي أكثر من مرة أن تبادلت الحديث مع نجوى ولمياء‪..‬‬
‫الفتاتان الوحيدتان اللتان تعملن معه في الدارة من جنس النساء‪ .‬كنت أعلم أن حليم يقضي حاجة للسرة في‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬ولكني سألتهما عنه ببراءة‪.‬قالت إحداهن‪:‬‬
‫قال إنه سيصل اليوم متأخ ار لعذر طارئ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫هل تدعواني لتناول الشاي معكما؟‬ ‫‪-‬‬
‫كان ترحيبهما بي حارا‪ ،‬لكن لم يكن بالمكتب غيرهما‪ .‬كان مدخلي لهدفي حديث من القلب عن رغبتي الكيدة في تجربة‬
‫النوم بداخل أحد التوابيت الرومانية لفترة طويلة بحيث تضمن بقائي على قيد الحياة‪ .‬ضحكت الفتاتان بشدة‪ ،‬لم تكن‬
‫إحداهما تتصور أن مانعي الوحيد من تنفيذ تلك الخاطرة هو التسبب في الضرار الدبي لزوجي في العمل‪ ،‬أما لماذا‬
‫انتابتني تلك الرغبة بشدة كدت أفقد سيطرتي على مقاومتها‪ ،‬فهذا ما لم أفكر فيه لحظة واحدة‪.‬‬
‫ترددت كثي ار قبل أن أفكر في سؤالهن عن الوافدة الجديدة التي وصفها أخي الشاذلي بالحيزبون‪ ..‬وقبل أن‬
‫يدفعني الضطرار إلى البحث عن حيلة مبررة لمثل هذا السؤال فوجئت بسيدة وقور ذات ملمح جميلة تكاد تتطابق مع‬
‫ملمح أم حليم‪ ،‬تدخل بابتسامة متعبة وتؤدي لنا جميعا تحية الصباح متجهة إلى غرفة أخرى – ربما كانت غرفة مكتبها‬
‫الخاصة – وتغلق من خلفها الباب‪.‬‬
‫أشعلت سيجارتي الثانية وأنا أتساءل بل مبالة مدروسة‪:‬‬
‫من هذه السيدة الصامتة كأبي الهول؟‬ ‫‪-‬‬
‫إنها الدكتورة مريم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫طبيبة بالمتحف؟‬ ‫‪-‬‬
‫بل دكتورة في الثار‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫منذ متى تعمل هنا؟‬ ‫‪-‬‬
‫منذ حوالي شهرين‪ ..‬أل تعرفينها؟‬ ‫‪-‬‬
‫نعم لست أعرفها لن حليم لم يحدثني عنها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إنها كانت معيدة بالقسم الذي تخرج فيه الستاذ حليم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يبدو أنها ميالة للنطواء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ولكنها شديدة الطيبة وتحترم الجميع‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫بعد قليل دخلت علينا مريم حاملة فنجان قهوتها‪ .‬طلبت بلطف من الفتاتين أن يعقدا بيننا تعارفا‪ .‬قالت إحداهن‪:‬‬
‫مدام عايدة حرم الستاذ حليم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قالت بثبات الهرام‪:‬‬
‫أهل وسهل شرفت المتحف‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أصحيح أن زوجي كان تلميذك؟‬ ‫‪-‬‬
‫بل كنت معيدة عليه لعامين فقط‪ ،‬ولكن أين هو؟‬ ‫‪-‬‬
‫فكرت أن أضفي جوا من المرح المصطنع أجوس من خلله في خزانة أفكاري المغلقة‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫تقولن إنه سيتأخر لعذر طارئ لست أعرفه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الغائب حجته معه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أخشى أن يكون عند زوجته الثانية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وتبادلنا الضحك جميعا‪ .‬فجأة سارعت مريم بالستئذان للذهاب إلى عملها دون أن تسمح لي بثغرة أنفذ منها إلى عقلها‬
‫أو بفرجة صغيرة ألقى من خللها نظرة خاطفة على قلبها‪ ..‬وبقيت أثرثر مع الفتاتين حتى استقرت الطمأنينة في قلبي‬
‫وأدركت أن موقع الخطر ليس في هذا المكان‪ ،‬فحليم ل يمكن أن يحب قطعة من الصلب‪ ،‬بل إني لم أتذكر أن أسأل عن‬
‫مريم هذه قبل مغادرتي المتحف تاركة رسالة شكلية للفتاتين كي يسلماها لحليم عند عودته‪ ،‬وبدون أية مناسبة أو‬
‫سابق تفكير دعوتهما للعشاء معنا بالمنزل وكنت سعيدة بقبولهما المشوب بالدهشة‪.‬‬
‫***‬

You might also like