Professional Documents
Culture Documents
1
أدنى مراتب األذى نبه به على ما سواه ،والمعنى َّل تؤذهما
أدنى أذية.
{وَّل ت َ ْن َه ْر ُه َما} أي :تزجرهما وتتكلم لهما كَلما خشنا، َ
{وقُ ْل لَ ُه َما قَ ْوَّل َك ِري ًما} بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكَلم لين َ
حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما ،وذلك يختلف
باختَلف األحوال والعوائد واألزمان.
ض لَ ُه َما َجنَا َح الذُّ ِل ِمنَ ا
الر ْح َم ِة} أي :تواضع {و ْ
اخ ِف ْ َ
لهما ذَّل لهما ورحمة واحتسابا لألجر َّل ألجل الخوف منهما
أو الرجاء لما لهما ،ونحو ذلك من المقاصد التي َّل يؤجر عليها
العبد.
ار َح ْم ُه َما} أي :ادع لهما بالرحمة أحياء ب ْ {وقُ ْل َر ِ َ
وأمواتا ،جزاء على تربيتهما إياك صغيرا.
وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق،
وكذلك من تولى تربية اإلنسان في دينه ودنياه تربية صالحة
غير األبوين فإن له على من رباه حق التربية.
---------------------------------------------
3
اإلحسان إليهما ،ألن حق ّللا ،مقدم على حق كل أحد ،و "َّل
طاعة لمخلوق ،في معصية الخالق"
ولم يقل" :وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك
به علم فعقهما" بل قال{ :فََل ت ُ ِط ْع ُه َما} أي :بالشرك ،وأما
اح ْب ُه َما فِي الدُّ ْنيَا
ص ِ{و َبرهما ،فاستمر عليه ،ولهذا قالَ :
َم ْع ُروفًا} أي :صحبة إحسان إليهما بالمعروف ،وأما اتباعهما
وهما بحالة الكفر والمعاصي ،فَل تتبعهما.
ي} وهم المؤمنون باّلل، سبِي َل َم ْن أَن َ
َاب ِإلَ ا {وات ا ِب ْع ََ
ومَلئكته وكتبه ،ورسله ،المستسلمون لربهم ،المنيبون إليه.
واتباع سبيلهم ،أن يسلك مسلكهم في اإلنابة إلى ّللا ،التي
هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى ّللا ،ثم يتبعها سعي
البدن ،فيما يرضي ّللا ،ويقرب منه.
ي َم ْر ِجعُ ُك ْم} الطائع والعاصي ،والمنيب ،وغيره {ث ُ ام ِإلَ ا
{فَأُنَبِئ ُ ُك ْم بِ َما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْع َملُونَ } فَل يخفى على ّللا من أعمالهم
خافية.
---------------------------------------------
األخالق المذمومة
سورة الحجرات (11 : )49
س ٰ ٓى أَن قوله تعالى ٓ ٰ :يَأَيُّ َها ٱلاذِينَ َءا َمنُواْ ََّل يَ ۡسخ َۡر قَ ۡو ٞم ِمن قَ ۡو ٍّم َع َ
س ٰ ٓى أَن يَ ُك ان خ َۡي ارا ِم ۡن ُه ۖ ان
سآءٍّ َع َ سا ٓ ٞء ِمن نِ َيَ ُكونُواْ خ َۡي ارا ِم ۡن ُه ۡم َو ََّل نِ َ
وق بَعۡ دَ س ُ س ٱِلِ ۡس ُم ٱ ۡلفُ ُ س ُك ۡم َو ََّل تَنَابَ ُزواْ ِبٱ ۡأل َ ۡل ٰقَ ۖ ِ
ب بِ ۡئ َ َ َو ََّل ت َ ۡل ِم ُز ٓواْ أَنفُ
لظ ِل ُمونَ ١١ ٱ ۡ ِإلي ٰ َم ۚ ِن َو َمن لا ۡم يَت ُ ۡب فَأ ُ ْو ٰ ٓلَئِ َك هُ ُم ٱ ٰ ا
تفسير
4
من حقوق المؤمنين ،بعضهم على بعض ،أن {َّل يَ ْسخ َْر
قَو ٌم ِم ْن قَ ْو ٍّم} بكل كَلم وقول وفعل دال على تحقير األخ
المسلم ،فإن ذلك حرامَّ ،ل يجوز ،وهو دال على إعجاب
خيرا من الساخر، الساخر بنفسه ،وعسى أن يكون المسخور به ً
كما هو الغالب والواقع ،فإن السخريةَّ ،ل تقع إَّل من قلب
ممتلئ من مساوئ األخَلق ،متحل بكل خلق ذميم ،ولهذا قال
النبي صلى هللا عليه وسلم "بحسب امرئ من الشر ،أن يحقر
أخاه المسلم"
س ُك ْم} أيَّ :ل يعب بعضكم على {وَّل ت َ ْل ِم ُزوا أ َ ْنفُ َ
ثم قالَ :
بعض ،واللمز :بالقول ،والهمز :بالفعل ،وكَلهما منهي عنه
حرام ،متوعد عليه بالنار.
{و ْي ٌل ِل ُك ِل ُه َمزَ ةٍّ لُ َمزَ ةٍّ اآلية} وسميكما قال تعالىَ :
سا ألخيه ،ألن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا األخ المؤمن نف ً
حالهم كالجسد الواحد ،وألنه إذا همز غيره ،أوجب للغير أن
يهمزه ،فيكون هو المتسبب لذلك.
ب} أيَّ :ل يعير أحدكم أخاه ،ويلقبه {وَّل تَنَابَ ُزوا ِب ْ
األلقَا ِ َ
بلقب ذم يكره أن يطلق عليه وهذا هو التنابز ،وأما األلقاب غير
المذمومة ،فَل تدخل في هذا.
ان} أي :بئسما تبدلتم عن وق بَ ْعدَ اإلي َم ِ س ُ س اَّل ْس ُم ْالفُ ُ
{ ِبئْ َ
اإليمان والعمل بشرائعه ،وما تقتضيه ،باإلعراض عن أوامره
ونواهيه ،باسم الفسوق والعصيان ،الذي هو التنابز باأللقاب.
الظا ِل ُمونَ } فهذا [هو] الواجب {و َم ْن لَ ْم يَتُبْ فَأُولَئِ َك ُه ُم ا َ
على العبد ،أن يتوب إلى هللا تعالى ،ويخرج من حق أخيه
المسلم ،باستحَلله ،واَّلستغفار ،والمدح له مقابلة [على] ذمه.
5
{و َم ْن َل ْم َيتُبْ َفأُو َلئِ َك ُه ُم ا
الظا ِل ُمونَ } فالناس قسمان: َ
ظالم لنفسه غير تائب ،وتائب مفلح ،وَّل ثم قسم ثالث غيرهما.
---------------------------------------------
9
اإليمان
سورة البقرة (285 :)2
نز َل ِإلَ ۡي ِه ِمن ار ِب ِهۦ َوٱ ۡل ُم ۡؤ ِمنُ ۚ
ونَ سو ُل ِب َما ٓ أ ُ ِ لر ُ قوله تعالىَ :ءا َمنَ ٱ ا
ٓ
ُك ٌّل َءا َمنَ ِبٱ اّللِ َو َم ٰلَ ِئ َك ِت ِهۦ َو ُكت ُ ِب ِهۦ َو ُر ُ
س ِل ِهۦ ََّل نُفَ ِر ُق َب ۡينَ أ َ َح ّٖد ِمن ُّر ُ
س ِل ۚ ِهۦ
ير ٢٨٥ ص ُ غ ۡف َران ََك َربانَا َوإِلَ ۡي َك ٱ ۡل َم ِ طعۡ ن َۖا ُ س ِمعۡ نَا َوأ َ َ َوقَالُواْ َ
تفسير
يخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه،
وانقيادهم وطاعتهم وسؤالهم مع ذلك المغفرة ،فأخبر أنهم آمنوا
باهلل ومَلئكته وكتبه ورسله ،وهذا يتضمن اإليمان بجميع ما
أخبر هللا به عن نفسه ،وأخبرت به عنه رسله من صفات كماله
ونعوت جَلله على وجه اإلجمال والتفصيل ،وتنزيهه عن
التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص ،ويتضمن اإليمان
بالمَلئكة الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيَل وعلى
اإليمان بجميع الرسل والكتب ،أي :بكل ما أخبرت به الرسل
وتضمنته الكتب من األخبار واألوامر والنواهي ،وأنهم َّل
يفرقون بين أحد من رسله ،بل يؤمنون بجميعهم ،ألنهم وسائط
بين هللا وبين عباده ،فالكفر ببعضهم كفر بجميعهم بل كفر باهلل
{وقالوا سمعنا} ما أمرتنا به ونهيتنا {وأطعنا} لك في ذلك،
ولم يكونوا ممن قالوا سمعنا وعصينا ،ولما كان العبد َّل بد أن
يحصل منه تقصير في حقوق هللا تعالى وهو محتاج إلى
مغفرته على الدوام ،قالوا {غفرانك} أي :نسألك مغفرة لما
صدر منا من التقصير والذنوب ،ومحو ما اتصفنا به من
10
العيوب {وإليك المصير} أي :المرجع لجميع الخَلئق
فتجزيهم بما عملوا من خير وشر
---------------------------------------------
11
وكذلك سائر األعمال الظاهرة والباطنة ،كلها من
اإليمان كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة ،وأجمع عليه
سلف األمة.
ثم اَّلستمرار على ذلك والثبات عليه إلى الممات كما
قال تعالى{ :يَأَيُّ َها الاذِينَ آ َمنُوا اتاقُوا ا
ّللاَ َح اق تُقَاتِ ِه َوَّل ت َ ُموت ُ ان ِإَّل
َوأَنتُم ُّم ْس ِل ُمونَ } وأمر هنا باإليمان به وبرسوله ،وبالقرآن
وبالكتب المتقدمة ،فهذا كله من اإليمان الواجب الذي َّل يكون
العبد مؤمنا إَّل به ،إجماَّل فيما لم يصل إليه تفصيله وتفصيَل
فيما علم من ذلك بالتفصيل ،فمن آمن هذا اإليمان المأمور به،
س ِل ِه {و َمن يَ ْكفُ ْر بِ ا
اّللِ َو َمَلئِ َكتِ ِه َو ُكتُبِ ِه َو ُر ُ فقد اهتدى وأنجحَ .
ضَلَّل بَ ِعيدًا} وأي ضَلل أبعد من ض ال َاآلخ ِر فَقَ ْد َ ِ َو ْاليَ ْو ِم
ضَلل من ترك طريق الهدى المستقيم ،وسلك الطريق
الموصلة له إلى العذاب األليم؟"
---------------------------------------------
فضل العلم
سورة الزمر (9 :)39
اجدا ا َوقَآئِ اما يَ ۡحذَ ُر ٱ ۡأل ٓ ِخ َرة َ
س ِت َءانَا ٓ َء ٱلا ۡي ِل َ قوله تعالى :أ َ ام ۡن ُه َو ٰقَنِ ٌ
َويَ ۡر ُجواْ َر ۡح َمةَ َربِ ِهۦ قُ ۡل ه َۡل يَ ۡست َ ِوي ٱلاذِينَ يَعۡ لَ ُمونَ َوٱلاذِينَ ََّل
ب٩ يَعۡ لَ ُمونَ ِإنا َما يَتَذَ اك ُر أ ُ ْولُواْ ٱ ۡأل َ ۡل ٰبَ ِ
تفسير
هذه مقابلة بين العامل بطاعة ّللا وغيره ،وبين العالم
والجاهل ،وأن هذا من األمور التي تقرر في العقول تباينها،
وعلم علما يقينا تفاوتها ،فليس المعرض عن طاعة ربه ،المتبع
لهواه ،كمن هو قانت أي :مطيع ّلل بأفضل العبادات وهي
الصَلة ،وأفضل األوقات وهو أوقات الليل ،فوصفه بكثرة
العمل وأفضله ،ثم وصفه بالخوف والرجاء ،وذكر أن متعلق
الخوف عذاب اآلخرة ،على ما سلف من الذنوب ،وأن متعلق
الرجاء ،رحمة ّللا ،فوصفه بالعمل الظاهر والباطن.
{قُ ْل ه َْل يَ ْست َ ِوي الاذِينَ يَ ْعلَ ُمونَ } ربهم ويعلمون دينه
الشرعي ودينه الجزائي ،وما له في ذلك من األسرار والحكم
{والاذِينَ َّل يَ ْعلَ ُمونَ } شيئا من ذلك؟ َّل يستوي هؤَّلء وَّل َ
14
هؤَّلء ،كما َّل يستوي الليل والنهار ،والضياء والظَلم ،والماء
والنار.
ب} أي :أهل العقول {إِنا َما يَتَذَ اك ُر} إذا ذكروا {أُولُو ْ
األلبَا ِ
الزكية الذكية ،فهم الذين يؤثرون األعلى على األدنى،
فيؤثرون العلم على الجهل ،وطاعة ّللا على مخالفته ،ألن لهم
عقوَّل ترشدهم للنظر في العواقب ،بخَلف من َّل لب له وَّل
عقل ،فإنه يتخذ إلهه هواه.
---------------------------------------------
19
اجعِ يَ ۡدعُونَ َربا ُه ۡم خ َۡو افا
ض ِقوله تعالى :تَت َ َجافَ ٰى ُجنُوبُ ُه ۡم َع ِن ٱ ۡل َم َ
ط َم اعا َو ِم اما َرزَ ۡق ٰنَ ُه ۡم يُن ِفقُونَ ١٦ َو َ
تفسير
اجعِ} أي :ترتفع جنوبهم، ض ِ{تَت َ َجافَى ُجنُوبُ ُه ْم َع ِن ْال َم َ
وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة ،إلى ما هو ألذ عندهم منه وأحب
إليهم ،وهو الصَلة في الليل ،ومناجاة ّللا تعالى.
ولهذا قال{ :يَ ْدعُونَ َربا ُه ْم} أي :في جلب مصالحهم
ط َمعًا} أي: الدينية والدنيوية ،ودفع مضارهما{ .خ َْوفًا َو َ
جامعين بين الوصفين ،خوفًا أن ترد أعمالهم ،وطمعًا في
قبولها ،خوفًا من عذاب ّللا ،وطمعًا في ثوابه.
كثيرا
ً {و ِم اما َرزَ ْقنَا ُه ْم} من الرزق ،قليَل كان أو َ
{يُ ْن ِفقُونَ } ولم يذكر قيد النفقة ،وَّل المنفق عليه ،ليدل على
العموم ،فإنه يدخل فيه ،النفقة الواجبة ،كالزكوات ،والكفارات،
ونفقة الزوجات واألقارب ،والنفقة المستحبة في وجوه الخير،
والنفقة واإلحسان المالي ،خير مطلقًا ،سواء وافق غنيًا أو
فقيرا ،قريبًا أو بعيدًا ،ولكن األجر يتفاوت ،بتفاوت النفع ،فهذا ً
عملهم.
---------------------------------------------
سورة المزمل (1-4 :)32
صقوله تعالىٓ ٰ :يَأَيُّ َها ٱ ۡل ُم از ِم ُل ١قُ ِم ٱلا ۡي َل ِإ اَّل قَ ِل ايَل ٢نِصۡ فَ ٓهۥُ أ َ ِو ٱنقُ ۡ
يَل ٣أ َ ۡو ِز ۡد َعلَ ۡي ِه َو َرتِ ِل ٱ ۡلقُ ۡر َءانَ ت َ ۡرتِ ً
يَل ٤ ِم ۡنهُ قَ ِل ً
تفسير
المزمل :المتغطي بثيابه كالمدثر ،وهذا الوصف حصل
من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين أكرمه هللا برسالته،
20
وابتدأه بإنزال [وحيه بإرسال] جبريل إليه ،فرأى أمرا لم ير
مثله ،وَّل يقدر على الثبات له إَّل المرسلون ،فاعتراه في ابتداء
ذلك انزعاج حين رأى جبريل عليه السَلم ،فأتى إلى أهله،
فقال " :زملوني زملوني " وهو ترعد فرائصه ،ثم جاءه جبريل
فقال " :اقرأ " فقال " :ما أنا بقارئ " فغطه حتى بلغ منه
الجهد ،وهو يعالجه على القراءة ،فقرأ صلى هللا عليه وسلم ،ثم
ألقى هللا عليه الثبات ،وتابع عليه الوحي ،حتى بلغ مبلغا ما بلغه
أحد من المرسلين.
فسبحان هللا ،ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها،
ولهذا خاطبه هللا بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره.
فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به ،ثم أمره بالصبر على
أذية أعدائه ،ثم أمره بالصدع بأمره ،وإعَلن دعوتهم إلى هللا،
فأمره هنا بأشرف العبادات ،وهي الصَلة ،وبآكد األوقات
وأفضلها ،وهو قيام الليل.
ومن رحمته تعالى ،أنه لم يأمره بقيام الليل كله ،بل قال:
{قُ ِم اللا ْي َل إَِّل قَ ِليَل}.
ص ِم ْنهُ} أي :من صفَهُ أ َ ِو ا ْنقُ ْ
ثم قدر ذلك فقال{ :نِ ْ
النصف {قَ ِليَل} بأن يكون الثلث ونحوه.
{أ َ ْو ِز ْد َعلَ ْي ِه} أي :على النصف ،فيكون الثلثين ونحوها.
{و َرتِ ِل ْالقُ ْرآنَ ت َ ْرتِيَل} فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر َ
والتفكر ،وتحريك القلوب به ،والتعبد بآياته ،والتهيؤ
واَّلستعداد التام له.
---------------------------------------------
تفسير
فقال{ :والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} أي:
صدر منهم أعمال [سيئة] كبيرة ،أو ما دون ذلك ،بادروا إلى
التوبة واَّلستغفار ،وذكروا ربهم ،وما توعد به العاصين ووعد
به المتقين ،فسألوه المغفرة لذنوبهم ،والستر لعيوبهم ،مع
إقَلعهم عنها وندمهم عليها ،فلهذا قال{ :ولم يصروا على ما
فعلوا وهم يعلمون}.
صالة الجمعة
سورة الجمعة (9-11 : )62
صلَ ٰو ِة ِمن َي ۡو ِم ٱ ۡل ُج ُم َع ِة ٓ
ِي ِلل ا قوله تعالىَ ٰ :يأَيُّ َها ٱلاذِينَ َءا َمنُ ٓواْ إِذَا نُود َ
فَٱ ۡسعَ ۡواْ إِلَ ٰى ذ ِۡك ِر ٱ اّللِ َوذَ ُرواْ ٱ ۡلبَ ۡي ۚ َع ٰذَ ِل ُك ۡم خ َۡي ٞر لا ُك ۡم إِن ُكنت ُ ۡم ت َعۡ لَ ُمونَ
ض ِل ض َوٱ ۡبتَغُواْ ِمن فَ ۡ صلَ ٰوة ُ فَٱنتَش ُِرواْ فِي ٱ ۡأل َ ۡر ِ ت ٱل ا ضيَ ِ ٩فَإِذَا قُ ِ
ٱ اّللِ َوٱ ۡذ ُك ُرواْ ٱ اّللَ َكثِ ايرا لا َعلا ُك ۡم ت ُ ۡف ِل ُحونَ َ ١٠و ِإذَا َرأ َ ۡواْ تِ ٰ َج َرة ً أ َ ۡو لَهۡ ًوا
وك قَآئِ ام ۚا قُ ۡل َما ِعندَ ٱ اّللِ خ َۡي ٞر ِمنَ ٱللاهۡ ِو َو ِمنَ ٱنفَض ُّٓواْ ِإلَ ۡي َها َوت َ َر ُك َ
لر ِز ِقينَ ١١ ٱ ِلت ٰ َج َر ۚ ِة َوٱ اّللُ خ َۡي ُر ٱ ٰ ا
22
تفسير
يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصَلة الجمعة
والمبادرة إليها ،من حين ينادى لها والسعي إليها ،والمراد
بالسعي هنا :المبادرة إليها واَّلهتمام لها ،وجعلها أهم األشغال،
َّل العدو الذي قد نهي عنه عند المضي إلى الصَلة ،وقوله:
{وذَ ُروا ْالبَ ْي َع} أي :اتركوا البيع ،إذا نودي للصَلة ،وامضوا َ
إليها.
فإن {ذَ ِل ُك ْم َخي ٌْر لَ ُك ْم} من اشتغالكم بالبيع ،وتفويتكم
الصَلة الفريضة ،التي هي من آكد الفروض.
{ ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ } أن ما عند هللا خير وأبقى ،وأن من
آثر الدنيا على الدين ،فقد خسر الخسارة الحقيقية ،من حيث ظن
أنه يربح ،وهذا األمر بترك البيع مؤقت مدة الصَلة.
ض} لطلب األر ِ
ْ صَلة ُ فَا ْنتَش ُِروا ِفيت ال ا ض َي ِ {فَإِذَا قُ ِ
المكاسب والتجارات ولما كان اَّلشتغال في التجارة ،مظنة
{وا ْذ ُك ُروا الغفلة عن ذكر هللا ،أمر هللا باإلكثار من ذكره ،فقالَ :
يرا} أي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم{ ،لَ َعلا ُك ْم ّللاَ َكثِ ً
ا
ت ُ ْف ِل ُحونَ } فإن اإلكثار من ذكر هللا أكبر أسباب الفَلح.
ارة ً أ َ ْو لَ ْه ًوا ا ْنفَضُّوا ِإلَ ْي َها} أي :خرجوا
{و ِإذَا َرأ َ ْوا تِ َج َ
َ
صا على ذلك اللهو ،و [تلك] التجارة ،وتركوا من المسجد ،حر ً
وك قَائِ ًما} تخطب الناس ،وذلك [في] يوم جمعة، {وت َ َر ُك َ الخيرَ ،
بينما النبي صلى هللا عليه وسلم يخطب الناس ،إذ قدم المدينة،
عير تحمل تجارة ،فلما سمع الناس بها ،وهم في المسجد،
انفضوا من المسجد ،وتركوا النبي صلى هللا عليه وسلم يخطب
استعجاَّل لما َّل ينبغي أن يستعجل له ،وترك أدب{ ،قُ ْل َما ِع ْندَ
23
ّللاِ} من األجر والثواب ،لمن َّلزم الخير وصبر نفسه على ا
عبادة هللا.
ارةِ } التي ،وإن حصل منها { َخي ٌْر ِمنَ اللا ْه ِو َو ِمنَ التِ َج َ
بعض المقاصد ،فإن ذلك قليل منغص ،مفوت لخير اآلخرة،
وليس الصبر على طاعة هللا مفوتًا للرزق ،فإن هللا خير
الرازقين ،فمن اتقى هللا رزقه من حيث َّل يحتسب.
وفي هذه اآليات فوائد عديدة:
منها :أن الجمعة فريضة على جميع المؤمنين ،يجب عليهم
السعي لها ،والمبادرة واَّلهتمام بشأنها.
ومنها :أن الخطبتين يوم الجمعة ،فريضتان ( )1يجب
حضورهما ،ألنه فسر الذكر هنا بالخطبتين ،فأمر هللا بالمضي
إليه والسعي له.
ومنها :مشروعية النداء ليوم الجمعة ،واألمر به.
ومنها :النهى عن البيع والشراء ،بعد [ ص ] 864نداء
الجمعة ،وتحريم ذلك ،وما ذاك إَّل ألنه يفوت الواجب ويشغل
عنه ،فدل ذلك على أن كل أمر ولو كان مبا ًحا في األصل ،إذا
كان ينشأ عنه تفويت واجب ،فإنه َّل يجوز في تلك الحال.
ومنها :األمر بحضور الخطبتين ( )2يوم الجمعة ،وذم من لم
يحضرهما ،ومن َّلزم ذلك اإلنصات لهما.
ومنها :أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة هللا ،وقت دواعي
النفس لحضور اللهو [والتجارات] والشهوات ،أن يذكرها بما
عند هللا من الخيرات ،وما لمؤثر رضاه على هواه.
24
-الحمد هلل تم المجلد - 1
25