You are on page 1of 25

‫بـر الوالدين‬

‫سورة اإلسراء (‪23-24 : )17‬‬


‫َّل إِيااهُ َو ِب ۡٱل ٰ َو ِلدَ ۡي ِن ِإ ۡح ٰ َ‬
‫سنً ۚا‬ ‫ض ٰى َرب َُّك أ َ اَّل ت َعۡ بُد ُٓواْ إِ ا ٓ‬
‫قوله تعالى ‪َ :‬وقَ َ‬
‫ف َو ََّل‬ ‫ِإ اما َي ۡبلُغ اَن ِعندَ َك ۡٱل ِك َب َر أ َ َحدُ ُه َما ٓ أ َ ۡو ِك ََل ُه َما فَ ََل تَقُل لا ُه َما ٓ أ ُ ّٖ‬
‫ض لَ ُه َما َجنَا َح ٱلذُّ ِل ِمنَ‬ ‫ٱخ ِف ۡ‬ ‫ت َ ۡن َه ۡر ُه َما َوقُل لا ُه َما قَ ۡو اَّل َك ِر ايما ‪َ ٢٣‬و ۡ‬
‫ص ِغ ايرا ‪٢٤‬‬ ‫ب ۡٱر َح ۡم ُه َما َك َما َربايَانِي َ‬ ‫ٱلر ۡح َم ِة َوقُل ار ِ‬‫ا‬
‫تفسير‬
‫لما نهى تعالى عن الشرك به أمر بالتوحيد فقال‪:‬‬
‫ضى َرب َُّك} قضاء دينيا وأمر أمرا شرعيا {أ َ ْن َّل ت َ ْعبُدُوا}‬ ‫{وقَ َ‬
‫َ‬
‫أحدا من أهل األرض والسماوات األحياء واألموات‪.‬‬
‫{ ِإَّل ِإيااهُ} ألنه الواحد األحد الفرد الصمد الذي له كل‬
‫صفة كمال‪ ،‬وله من تلك الصفة أعظمها على وجه َّل يشبهه‬
‫أحد من خلقه‪ ،‬وهو المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة الدافع لجميع‬
‫النقم الخالق الرازق المدبر لجميع األمور فهو المتفرد بذلك كله‬
‫وغيره ليس له من ذلك شيء‪.‬‬
‫{وبِ ْال َوا ِلدَي ِْن‬
‫ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال‪َ :‬‬
‫سانًا} أي‪ :‬أحسنوا إليهما بجميع وجوه اإلحسان القولي‬ ‫ِإ ْح َ‬
‫والفعلي ألنهما سبب وجود العبد ولهما من المحبة للولد‬
‫واإلحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر‪.‬‬
‫{ ِإ اما َي ْبلُغ اَن ِع ْندَ َك ْال ِك َب َر أ َ َحدُ ُه َما أ َ ْو ِكَل ُه َما} أي‪ :‬إذا‬
‫وصَل إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من‬
‫ف} وهذا‬ ‫اللطف واإلحسان ما هو معروف‪{ .‬فََل ت َقُ ْل لَ ُه َما أ ُ ٍّ‬

‫‪1‬‬
‫أدنى مراتب األذى نبه به على ما سواه‪ ،‬والمعنى َّل تؤذهما‬
‫أدنى أذية‪.‬‬
‫{وَّل ت َ ْن َه ْر ُه َما} أي‪ :‬تزجرهما وتتكلم لهما كَلما خشنا‪،‬‬ ‫َ‬
‫{وقُ ْل لَ ُه َما قَ ْوَّل َك ِري ًما} بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكَلم لين‬ ‫َ‬
‫حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما‪ ،‬وذلك يختلف‬
‫باختَلف األحوال والعوائد واألزمان‪.‬‬
‫ض لَ ُه َما َجنَا َح الذُّ ِل ِمنَ ا‬
‫الر ْح َم ِة} أي‪ :‬تواضع‬ ‫{و ْ‬
‫اخ ِف ْ‬ ‫َ‬
‫لهما ذَّل لهما ورحمة واحتسابا لألجر َّل ألجل الخوف منهما‬
‫أو الرجاء لما لهما‪ ،‬ونحو ذلك من المقاصد التي َّل يؤجر عليها‬
‫العبد‪.‬‬
‫ار َح ْم ُه َما} أي‪ :‬ادع لهما بالرحمة أحياء‬ ‫ب ْ‬ ‫{وقُ ْل َر ِ‬ ‫َ‬
‫وأمواتا‪ ،‬جزاء على تربيتهما إياك صغيرا‪.‬‬
‫وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق‪،‬‬
‫وكذلك من تولى تربية اإلنسان في دينه ودنياه تربية صالحة‬
‫غير األبوين فإن له على من رباه حق التربية‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫سورة لقمان (‪14 : )31‬‬


‫سنَ ِب ٰ َو ِلدَ ۡي ِه َح َملَ ۡتهُ أ ُ ُّمهۥُ َو ۡهنًا َعلَ ٰى َو ۡه ّٖن‬‫ص ۡينَا ٱ ۡ ِإلن ٰ َ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬و َو ا‬
‫ير ‪َ ١٤‬و ِإن‬ ‫ص ُ‬ ‫ي ٱ ۡل َم ِ‬
‫صلُهۥُ فِي َعا َم ۡي ِن أ َ ِن ٱ ۡش ُك ۡر ِلي َو ِل ٰ َو ِلدَ ۡي َك ِإلَ ا‬‫َوفِ ٰ َ‬
‫س لَ َك ِب ِهۦ ِع ۡل ‪ٞ‬م فَ ََل ت ُ ِطعۡ ُه َم ۖا‬ ‫اك َعلَ ٰ ٓى أَن ت ُ ۡش ِر َك ِبي َما لَ ۡي َ‬ ‫ٰ َج َهدَ َ‬
‫ي‬ ‫ي ث ُ ام ِإلَ ا‬ ‫س ِبي َل َم ۡن أَن َ‬
‫َاب ِإلَ ۚ ا‬ ‫وف ۖا َوٱت ا ِبعۡ َ‬ ‫اح ۡب ُه َما ِفي ٱلد ُّۡن َيا َمعۡ ُر ا‬
‫ص ِ‬ ‫َو َ‬
‫َم ۡر ِجعُ ُك ۡم فَأُنَبِئ ُ ُكم بِ َما ُكنت ُ ۡم ت َعۡ َملُونَ ‪١٥‬‬
‫تفسير‬
‫‪2‬‬
‫سانَ } أي‪:‬‬ ‫ص ْينَا اإل ْن َ‬
‫{و َو ا‬
‫أمر بالقيام بحق الوالدين فقال‪َ :‬‬
‫عهدنا إليه‪ ،‬وجعلناه وصية عنده‪ ،‬سنسأله عن القيام بها‪ ،‬وهل‬
‫حفظها أم َّل‪ ،‬فوصيناه {بِ َوا ِلدَ ْي ِه} وقلنا له‪{ :‬ا ْش ُك ْر ِلي} بالقيام‬
‫بعبوديتي‪ ،‬وأداء حقوقي‪ ،‬وأن َّل تستعين بنعمي على معصيتي‪.‬‬
‫{و ِل َوا ِلدَ ْي َك} باإلحسان إليهما بالقول اللين‪ ،‬والكَلم اللطيف‬ ‫َ‬
‫والفعل الجميل والتواضع لهما‪[ ،‬وإكرامهما] وإجَللهما‪،‬‬
‫والقيام بمئونتهما واجتناب اإلساءة إليهما من كل وجه‪ ،‬بالقول‬
‫والفعل‪.‬‬
‫ير} أي‪:‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ي ْال َم ِ‬
‫فوصيناه بهذه الوصية‪ ،‬وأخبرناه أن {إِلَ ا‬
‫سترجع أيها اإلنسان إلى من وصاك‪ ،‬وكلفك بهذه الحقوق‪،‬‬
‫فيسألك‪ :‬هل قمت بها‪ ،‬فيثيبك الثواب الجزيل‪ ،‬أم ضيعتها‪،‬‬
‫فيعاقبك العقاب الوبيل‪.،‬‬
‫ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في األم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫{ َح َملَتْهُ أ ُ ُّمهُ َو ْهنًا َعلَى َو ْه ٍّن} أي‪ :‬مشقة على مشقة‪ ،‬فَل تزال‬
‫تَلقي المشاق‪ ،‬من حين يكون نطفة‪ ،‬من الوحم‪ ،‬والمرض‬
‫والضعف والثقل وتغير الحال‪ ،‬ثم وجع الوَّلدة‪ ،‬ذلك الوجع‬
‫الشديد‪.‬‬
‫صالُهُ فِي َعا َمي ِْن} وهو مَلزم لحضانة أمه‬ ‫ثم {فِ َ‬
‫وكفالتها ورضاعها‪ ،‬أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه‬
‫الشدائد‪ ،‬مع شدة الحب‪ ،‬أن يؤكد على ولده‪ ،‬ويوصي إليه بتمام‬
‫اإلحسان إليه‪،‬‬
‫اك} أي‪ :‬اجتهد والداك { َعلى أ َ ْن ت ُ ْش ِر َك ِبي‬ ‫{و ِإ ْن َجا َهدَ َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْس لَ َك ِب ِه ِعل ٌم فََل ت ُ ِط ْع ُه َما} وَّل تظن أن هذا داخل في‬ ‫َما لَي َ‬

‫‪3‬‬
‫اإلحسان إليهما‪ ،‬ألن حق ّللا‪ ،‬مقدم على حق كل أحد‪ ،‬و "َّل‬
‫طاعة لمخلوق‪ ،‬في معصية الخالق"‬
‫ولم يقل‪" :‬وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك‬
‫به علم فعقهما" بل قال‪{ :‬فََل ت ُ ِط ْع ُه َما} أي‪ :‬بالشرك‪ ،‬وأما‬
‫اح ْب ُه َما فِي الدُّ ْنيَا‬
‫ص ِ‬‫{و َ‬‫برهما‪ ،‬فاستمر عليه‪ ،‬ولهذا قال‪َ :‬‬
‫َم ْع ُروفًا} أي‪ :‬صحبة إحسان إليهما بالمعروف‪ ،‬وأما اتباعهما‬
‫وهما بحالة الكفر والمعاصي‪ ،‬فَل تتبعهما‪.‬‬
‫ي} وهم المؤمنون باّلل‪،‬‬ ‫سبِي َل َم ْن أَن َ‬
‫َاب ِإلَ ا‬ ‫{وات ا ِب ْع َ‬‫َ‬
‫ومَلئكته وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬المستسلمون لربهم‪ ،‬المنيبون إليه‪.‬‬
‫واتباع سبيلهم‪ ،‬أن يسلك مسلكهم في اإلنابة إلى ّللا‪ ،‬التي‬
‫هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى ّللا‪ ،‬ثم يتبعها سعي‬
‫البدن‪ ،‬فيما يرضي ّللا‪ ،‬ويقرب منه‪.‬‬
‫ي َم ْر ِجعُ ُك ْم} الطائع والعاصي‪ ،‬والمنيب‪ ،‬وغيره‬ ‫{ث ُ ام ِإلَ ا‬
‫{فَأُنَبِئ ُ ُك ْم بِ َما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْع َملُونَ } فَل يخفى على ّللا من أعمالهم‬
‫خافية‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫األخالق المذمومة‬
‫سورة الحجرات (‪11 : )49‬‬
‫س ٰ ٓى أَن‬ ‫قوله تعالى ‪ٓ ٰ :‬يَأَيُّ َها ٱلاذِينَ َءا َمنُواْ ََّل يَ ۡسخ َۡر قَ ۡو ‪ٞ‬م ِمن قَ ۡو ٍّم َع َ‬
‫س ٰ ٓى أَن يَ ُك ان خ َۡي ارا ِم ۡن ُه ۖ ان‬
‫سآءٍّ َع َ‬ ‫سا ٓ ‪ٞ‬ء ِمن نِ َ‬‫يَ ُكونُواْ خ َۡي ارا ِم ۡن ُه ۡم َو ََّل نِ َ‬
‫وق بَعۡ دَ‬ ‫س ُ‬ ‫س ٱِلِ ۡس ُم ٱ ۡلفُ ُ‬ ‫س ُك ۡم َو ََّل تَنَابَ ُزواْ ِبٱ ۡأل َ ۡل ٰقَ ۖ ِ‬
‫ب بِ ۡئ َ‬ ‫َ‬ ‫َو ََّل ت َ ۡل ِم ُز ٓواْ أَنفُ‬
‫لظ ِل ُمونَ ‪١١‬‬ ‫ٱ ۡ ِإلي ٰ َم ۚ ِن َو َمن لا ۡم يَت ُ ۡب فَأ ُ ْو ٰ ٓلَئِ َك هُ ُم ٱ ٰ ا‬
‫تفسير‬
‫‪4‬‬
‫من حقوق المؤمنين‪ ،‬بعضهم على بعض‪ ،‬أن {َّل يَ ْسخ َْر‬
‫قَو ٌم ِم ْن قَ ْو ٍّم} بكل كَلم وقول وفعل دال على تحقير األخ‬
‫المسلم‪ ،‬فإن ذلك حرام‪َّ ،‬ل يجوز‪ ،‬وهو دال على إعجاب‬
‫خيرا من الساخر‪،‬‬ ‫الساخر بنفسه‪ ،‬وعسى أن يكون المسخور به ً‬
‫كما هو الغالب والواقع‪ ،‬فإن السخرية‪َّ ،‬ل تقع إَّل من قلب‬
‫ممتلئ من مساوئ األخَلق‪ ،‬متحل بكل خلق ذميم‪ ،‬ولهذا قال‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم "بحسب امرئ من الشر‪ ،‬أن يحقر‬
‫أخاه المسلم"‬
‫س ُك ْم} أي‪َّ :‬ل يعب بعضكم على‬ ‫{وَّل ت َ ْل ِم ُزوا أ َ ْنفُ َ‬
‫ثم قال‪َ :‬‬
‫بعض‪ ،‬واللمز‪ :‬بالقول‪ ،‬والهمز‪ :‬بالفعل‪ ،‬وكَلهما منهي عنه‬
‫حرام‪ ،‬متوعد عليه بالنار‪.‬‬
‫{و ْي ٌل ِل ُك ِل ُه َمزَ ةٍّ لُ َمزَ ةٍّ اآلية} وسمي‬‫كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫سا ألخيه‪ ،‬ألن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا‬ ‫األخ المؤمن نف ً‬
‫حالهم كالجسد الواحد‪ ،‬وألنه إذا همز غيره‪ ،‬أوجب للغير أن‬
‫يهمزه‪ ،‬فيكون هو المتسبب لذلك‪.‬‬
‫ب} أي‪َّ :‬ل يعير أحدكم أخاه‪ ،‬ويلقبه‬ ‫{وَّل تَنَابَ ُزوا ِب ْ‬
‫األلقَا ِ‬ ‫َ‬
‫بلقب ذم يكره أن يطلق عليه وهذا هو التنابز‪ ،‬وأما األلقاب غير‬
‫المذمومة‪ ،‬فَل تدخل في هذا‪.‬‬
‫ان} أي‪ :‬بئسما تبدلتم عن‬ ‫وق بَ ْعدَ اإلي َم ِ‬ ‫س ُ‬ ‫س اَّل ْس ُم ْالفُ ُ‬
‫{ ِبئْ َ‬
‫اإليمان والعمل بشرائعه‪ ،‬وما تقتضيه‪ ،‬باإلعراض عن أوامره‬
‫ونواهيه‪ ،‬باسم الفسوق والعصيان‪ ،‬الذي هو التنابز باأللقاب‪.‬‬
‫الظا ِل ُمونَ } فهذا [هو] الواجب‬ ‫{و َم ْن لَ ْم يَتُبْ فَأُولَئِ َك ُه ُم ا‬ ‫َ‬
‫على العبد‪ ،‬أن يتوب إلى هللا تعالى‪ ،‬ويخرج من حق أخيه‬
‫المسلم‪ ،‬باستحَلله‪ ،‬واَّلستغفار‪ ،‬والمدح له مقابلة [على] ذمه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫{و َم ْن َل ْم َيتُبْ َفأُو َلئِ َك ُه ُم ا‬
‫الظا ِل ُمونَ } فالناس قسمان‪:‬‬ ‫َ‬
‫ظالم لنفسه غير تائب‪ ،‬وتائب مفلح‪ ،‬وَّل ثم قسم ثالث غيرهما‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫سورة الحجرات (‪12 : )49‬‬


‫ض‬ ‫لظ ِن ِإ ان َبعۡ َ‬ ‫قوله تعالى‪َٓ ٰ :‬يأَيُّ َها ٱلاذِينَ َءا َمنُواْ ٱ ۡجتَنِبُواْ َكثِ ايرا ِمنَ ٱ ا‬
‫ض ۚا أَيُ ِحبُّ أ َ َحدُ ُك ۡم‬‫ض ُكم بَعۡ ً‬ ‫سواْ َو ََّل يَ ۡغتَب باعۡ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫لظ ِن إِ ۡث ‪ۖٞ‬م َو ََّل ت َ َج ا‬‫ٱ ا‬
‫اب ار ِح ‪ٞ‬يم‬ ‫أَن يَ ۡأ ُك َل لَ ۡح َم أ َ ِخي ِه َم ۡي اتا فَ َك ِر ۡهت ُ ُمو ۚهُ َوٱتاقُواْ ٱ ا ۚ‬
‫ّللَ إِ ان ٱ اّللَ ت َ او ‪ٞ‬‬
‫‪١٢‬‬
‫تفسير‬
‫نهى هللا تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين‪ ،‬فــــ‬
‫الظ ِن ِإثْ ٌم} وذلك‪ ،‬كالظن الخالي من الحقيقة‬ ‫ض ا‬ ‫{ ِإ ان َب ْع َ‬
‫والقرينة‪ ،‬وكظن السوء‪ ،‬الذي يقترن به كثير من األقوال‪،‬‬
‫واألفعال المحرمة‪ ،‬فإن بقاء ظن السوء بالقلب‪َّ ،‬ل يقتصر‬
‫صاحبه على مجرد ذلك‪ ،‬بل َّل يزال به‪ ،‬حتى يقول ما َّل‬
‫ضا‪ ،‬إساءة الظن‬ ‫ينبغي‪ ،‬ويفعل ما َّل ينبغي‪ ،‬وفي ذلك أي ً‬
‫بالمسلم‪ ،‬وبغضه‪ ،‬وعداوته المأمور بخَلف ذلك منه‪.‬‬
‫سوا} أي‪َّ :‬ل تفتشوا عن عورات المسلمين‪،‬‬ ‫س ُ‬‫{وَّل ت َ َج ا‬ ‫َ‬
‫وَّل تتبعوها‪ ،‬واتركوا (‪ )2‬المسلم على حاله‪ ،‬واستعملوا التغافل‬
‫عن أحواله (‪ )3‬التي إذا فتشت‪ ،‬ظهر منها ما َّل ينبغي‪.‬‬
‫ضا} والغيبة‪ ،‬كما قال النبي صلى‬ ‫ض ُك ْم بَ ْع ً‬ ‫{وَّل يَ ْغتَبْ بَ ْع ُ‬ ‫َ‬
‫هللا عليه وسلم‪ " :‬ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه "‬
‫منفرا عن الغيبة‪ ،‬فقال‪{ :‬أَيُ ِحبُّ أ َ َحدُ ُك ْم أ َ ْن‬ ‫ً‬ ‫ثم ذكر مثَل‬
‫يَأ ْ ُك َل لَ ْح َم أ َ ِخي ِه َم ْيتًا فَ َك ِر ْهت ُ ُموهُ} شبه أكل لحمه ميتًا‪ ،‬المكروه‬
‫للنفوس [غاية الكراهة]‪ ،‬باغتيابه‪ ،‬فكما أنكم تكرهون أكل‬
‫‪6‬‬
‫صا إذا كان ميتًا‪ ،‬فاقد الروح‪ ،‬فكذلك‪،‬‬ ‫لحمه‪ ،‬وخصو ً‬
‫[فلتكرهوا] غيبته‪ ،‬وأكل لحمه حيًا‪.‬‬
‫اب َر ِحي ٌم} والتواب‪ ،‬الذي يأذن‬‫ّللاَ ت َ او ٌ‬ ‫{واتاقُوا ا‬
‫ّللاَ إِ ان ا‬ ‫َ‬
‫بتوبة عبده‪ ،‬فيوفقه لها‪ ،‬ثم يتوب عليه‪ ،‬بقبول توبته‪ ،‬رحيم‬
‫بعباده‪ ،‬حيث دعاهم إلى ما ينفعهم‪ ،‬وقبل منهم التوبة‪ ،‬وفي هذه‬
‫اآلية‪ ،‬دليل على التحذير الشديد من الغيبة‪ ،‬وأن الغيبة من‬
‫الكبائر‪ ،‬ألن هللا شبهها بأكل لحم الميت‪ ،‬وذلك من الكبائر‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬
‫اإلستقامة فى التوحيد‬
‫سورة فصلت (‪30 :)41‬‬
‫قوله تعالى‪ِ :‬إ ان ٱلاذِينَ قَالُواْ َربُّنَا ٱ اّللُ ث ُ ام ٱ ۡست َ ٰقَ ُمواْ تَتَن اَز ُل َعلَ ۡي ِه ُم‬
‫ٓ‬
‫ٱ ۡل َم ٰلَ ِئ َكةُ أ َ اَّل تَخَافُواْ َو ََّل ت َ ۡحزَ نُواْ َوأ َ ۡبش ُِرواْ ِبٱ ۡل َجنا ِة ٱلا ِتي ُكنت ُ ۡم‬
‫تُو َعدُونَ ‪٣٠‬‬
‫تفسير‬
‫يخبر تعالى عن أوليائه‪ ،‬وفي ضمن ذلك‪ ،‬تنشيطهم‪،‬‬
‫والحث على اَّلقتداء بهم‪ ،‬فقال‪{ :‬إِ ان الاذِينَ قَالُوا َربُّنَا ا‬
‫ّللاُ ث ُ ام‬
‫ا ْستَقَا ُموا} أي‪ :‬اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية هللا تعالى‪،‬‬
‫واستسلموا ألمره‪ ،‬ثم استقاموا على الصراط المستقيم‪ ،‬عل ًما‬
‫وعمَل فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي اآلخرة‪.‬‬
‫{تَتَنز ُل َعلَ ْي ِه ُم ْال َمَلئِ َكةُ} الكرام‪ ،‬أي‪ :‬يتكرر نزولهم‬
‫عليهم‪ ،‬مبشرين لهم عند اَّلحتضار‪{ .‬أََّل تَخَافُوا} على ما‬
‫{وَّل ت َ ْحزَ نُوا} على ما مضى‪ ،‬فنفوا عنهم‬ ‫يستقبل من أمركم‪َ ،‬‬
‫{وأ َ ْبش ُِروا بِ ْال َجنا ِة الاتِي ُك ْنت ُ ْم‬
‫المكروه الماضي والمستقبل‪َ ،‬‬
‫تُو َعدُونَ } فإنها قد وجبت لكم وثبتت‪ ،‬وكان وعد هللا مفعوَّل‬
‫‪7‬‬
‫ويقولون لهم أيضا ‪ -‬مثبتين لهم‪ ،‬ومبشرين‪{ :‬ن َْح ُن أ َ ْو ِل َيا ُؤ ُك ْم ِفي‬
‫اآلخ َر ِة} يحثونهم في الدنيا على الخير‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ْال َح َيا ِة الدُّ ْن َيا َو ِفي‬
‫ويزينونه لهم‪ ،‬ويرهبونهم عن الشر‪ ،‬ويقبحونه في قلوبهم‪،‬‬
‫ويدعون هللا لهم‪ ،‬ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف‪،‬‬
‫صا عند الموت وشدته‪ ،‬والقبر وظلمته‪ ،‬وفي القيامة‬ ‫وخصو ً‬
‫وأهوالها‪ ،‬وعلى الصراط‪ ،‬وفي الجنة يهنئونهم بكرامة ربهم‪،‬‬
‫سَل ٌم َعلَ ْي ُك ْم ِب َما َ‬
‫ص َب ْرت ُ ْم فَنِ ْع َم‬ ‫ويدخلون عليهم من كل باب { َ‬
‫{ولَ ُك ْم فِي َها} أي‪ :‬في الجنة‬ ‫ع ْق َبى الد ِاار} ويقولون لهم أيضا‪َ :‬‬ ‫ُ‬
‫{ولَ ُك ْم فِي َها َما تَداعُونَ } أي‪:‬‬ ‫س ُك ْم} قد أعد وهيئ‪َ .‬‬‫{ َما ت َ ْشت َ ِهي أ َ ْنفُ ُ‬
‫تطلبون من كل ما تتعلق به إرادتكم وتطلبونه من أنواع اللذات‬
‫والمشتهيات‪ ،‬مما َّل عين رأت‪ ،‬وَّل أذن سمعت‪ ،‬وَّل خطر‬
‫على قلب بشر‪.‬‬
‫ور َر ِح ٍّيم} أي‪ :‬هذا الثواب الجزيل‪،‬‬ ‫{نزَّل ِم ْن َغفُ ٍّ‬
‫ور} غفر لكم السيئات‪،‬‬ ‫{م ْن َغفُ ٍّ‬
‫والنعيم المقيم‪ ،‬نز ٌل وضيافة ِ‬
‫{ر ِح ٍّيم} حيث وفقكم لفعل الحسنات‪ ،‬ثم قبلها منكم‪ .‬فبمغفرته‬ ‫َ‬
‫أزال عنكم المحذور‪ ،‬وبرحمته‪ ،‬أنالكم المطلوب‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫سورة اإلخالص (‪1-4 : )112‬‬


‫ص َمد ُ ‪ ٢‬لَ ۡم يَ ِل ۡد َولَ ۡم يُولَ ۡد ‪٣‬‬ ‫ٱّللُ أ َ َحدٌ ‪ ١‬ا‬
‫ٱّللُ ٱل ا‬ ‫قوله تعالى ‪ :‬قُ ۡل ُه َو ا‬
‫َولَ ۡم َي ُكن لاهۥُ ُكفُ ًوا أ َ َح ُۢدُ ‪٤‬‬
‫تفسير‬
‫أي {قُ ْل} قوَّل جاز ًما به‪ ،‬معتقدًا له‪ ،‬عارفًا بمعناه‪ُ { ،‬ه َو‬
‫ّللاُ أ َ َحدٌ} أي‪ :‬قد انحصرت فيه األحدية‪ ،‬فهو األحد المنفرد‬ ‫ا‬
‫‪8‬‬
‫بالكمال‪ ،‬الذي له األسماء الحسنى‪ ،‬والصفات الكاملة العليا‪،‬‬
‫واألفعال المقدسة‪ ،‬الذي َّل نظير له وَّل مثيل‪.‬‬
‫ص َمدُ} أي‪ :‬المقصود في جميع الحوائج‪ .‬فأهل‬ ‫ا‬
‫{ّللاُ ال ا‬
‫العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية اَّلفتقار‪ ،‬يسألونه‬
‫حوائجهم‪ ،‬ويرغبون إليه في مهماتهم‪ ،‬ألنه الكامل في أوصافه‪،‬‬
‫العليم الذي قد كمل في علمه‪ ،‬الحليم الذي قد كمل في حلمه‪،‬‬
‫الرحيم الذي [كمل في رحمته الذي] وسعت رحمته كل شيء‪،‬‬
‫وهكذا سائر أوصافه‪ ،‬ومن كماله أنه {لَ ْم َي ِل ْد َولَ ْم يُولَ ْد} لكمال‬
‫{ولَ ْم يَ ُك ْن لَهُ ُكفُ ًوا أ َ َحدٌ} َّل في أسمائه وَّل في أوصافه‪،‬‬‫غناه َ‬
‫وَّل في أفعاله‪ ،‬تبارك وتعالى‪.‬‬
‫فهذه السورة مشتملة على توحيد األسماء والصفات‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫‪9‬‬
‫اإليمان‬
‫سورة البقرة (‪285 :)2‬‬
‫نز َل ِإلَ ۡي ِه ِمن ار ِب ِهۦ َوٱ ۡل ُم ۡؤ ِمنُ ۚ‬
‫ونَ‬ ‫سو ُل ِب َما ٓ أ ُ ِ‬ ‫لر ُ‬ ‫قوله تعالى‪َ :‬ءا َمنَ ٱ ا‬
‫ٓ‬
‫ُك ٌّل َءا َمنَ ِبٱ اّللِ َو َم ٰلَ ِئ َك ِت ِهۦ َو ُكت ُ ِب ِهۦ َو ُر ُ‬
‫س ِل ِهۦ ََّل نُفَ ِر ُق َب ۡينَ أ َ َح ّٖد ِمن ُّر ُ‬
‫س ِل ۚ ِهۦ‬
‫ير ‪٢٨٥‬‬ ‫ص ُ‬ ‫غ ۡف َران ََك َربانَا َوإِلَ ۡي َك ٱ ۡل َم ِ‬ ‫طعۡ ن َۖا ُ‬ ‫س ِمعۡ نَا َوأ َ َ‬ ‫َوقَالُواْ َ‬
‫تفسير‬
‫يخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه‪،‬‬
‫وانقيادهم وطاعتهم وسؤالهم مع ذلك المغفرة‪ ،‬فأخبر أنهم آمنوا‬
‫باهلل ومَلئكته وكتبه ورسله‪ ،‬وهذا يتضمن اإليمان بجميع ما‬
‫أخبر هللا به عن نفسه‪ ،‬وأخبرت به عنه رسله من صفات كماله‬
‫ونعوت جَلله على وجه اإلجمال والتفصيل‪ ،‬وتنزيهه عن‬
‫التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص‪ ،‬ويتضمن اإليمان‬
‫بالمَلئكة الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيَل وعلى‬
‫اإليمان بجميع الرسل والكتب‪ ،‬أي‪ :‬بكل ما أخبرت به الرسل‬
‫وتضمنته الكتب من األخبار واألوامر والنواهي‪ ،‬وأنهم َّل‬
‫يفرقون بين أحد من رسله‪ ،‬بل يؤمنون بجميعهم‪ ،‬ألنهم وسائط‬
‫بين هللا وبين عباده‪ ،‬فالكفر ببعضهم كفر بجميعهم بل كفر باهلل‬
‫{وقالوا سمعنا} ما أمرتنا به ونهيتنا {وأطعنا} لك في ذلك‪،‬‬
‫ولم يكونوا ممن قالوا سمعنا وعصينا‪ ،‬ولما كان العبد َّل بد أن‬
‫يحصل منه تقصير في حقوق هللا تعالى وهو محتاج إلى‬
‫مغفرته على الدوام‪ ،‬قالوا {غفرانك} أي‪ :‬نسألك مغفرة لما‬
‫صدر منا من التقصير والذنوب‪ ،‬ومحو ما اتصفنا به من‬

‫‪10‬‬
‫العيوب {وإليك المصير} أي‪ :‬المرجع لجميع الخَلئق‬
‫فتجزيهم بما عملوا من خير وشر‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫سورة النساء (‪136 :)4‬‬


‫قوله تعالى ‪ٓ ٰ :‬يَأَيُّ َها ٱلاذِينَ َءا َمنُ ٓواْ َء ِامنُواْ ِبٱ اّللِ َو َر ُ‬
‫سو ِل ِهۦ َوٱ ۡل ِك ٰت َ ِ‬
‫ب‬
‫ِي أَنزَ َل ِمن قَ ۡب ۚ ُل َو َمن َي ۡكفُ ۡر‬ ‫ب ٱلاذ ٓ‬ ‫سو ِل ِهۦ َوٱ ۡل ِك ٰت َ ِ‬
‫ٱلاذِي ن اَز َل َعلَ ٰى َر ُ‬
‫ٓ‬
‫ض ٰلَ ُۢ ََل َب ِعيدًا‬
‫ض ال َ‬ ‫س ِل ِهۦ َوٱ ۡل َي ۡو ِم ٱ ۡأل ٓ ِخ ِر فَقَ ۡد َ‬‫ِبٱ اّللِ َو َم ٰلَ ِئ َك ِت ِهۦ َو ُكت ُ ِب ِهۦ َو ُر ُ‬
‫‪١٣٦‬‬
‫تفسير‬
‫اعلم أن األمر إما أن يوجه إلى من لم يدخل في الشيء‬
‫ولم يتصف بشيء منه‪ ،‬فهذا يكون أمرا له في الدخول فيه‪،‬‬
‫وذلك كأمر من ليس بمؤمن باإليمان‪ ،‬كقوله تعالى‪َ { :‬يأَيُّ َها الاذِينَ‬
‫ص ِدقًا ِل َما َم َع ُك ْم} اآلية‪.‬‬
‫نزلنَا ُم َ‬ ‫اب ِآمنُوا ِب َما ْ‬ ‫أُوتُوا ْال ِكت َ َ‬
‫وإما أن يوجه إلى من دخل في الشيء فهذا يكون أمره‬
‫ليصحح ما وجد منه ويحصل ما لم يوجد‪ ،‬ومنه ما ذكره هللا‬
‫في هذه اآلية من أمر المؤمنين باإليمان‪ ،‬فإن ذلك يقتضي‬
‫أمرهم بما يصحح إيمانهم من اإلخَلص والصدق‪ ،‬وتجنب‬
‫المفسدات والتوبة من جميع المنقصات‪.‬‬
‫ويقتضي أيضا األمر بما لم يوجد من المؤمن من علوم اإليمان‬
‫وأعماله‪ ،‬فإنه كلما وصل إليه نص وفهم معناه واعتقده فإن ذلك‬
‫من اإليمان المأمور به‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وكذلك سائر األعمال الظاهرة والباطنة‪ ،‬كلها من‬
‫اإليمان كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة‪ ،‬وأجمع عليه‬
‫سلف األمة‪.‬‬
‫ثم اَّلستمرار على ذلك والثبات عليه إلى الممات كما‬
‫قال تعالى‪{ :‬يَأَيُّ َها الاذِينَ آ َمنُوا اتاقُوا ا‬
‫ّللاَ َح اق تُقَاتِ ِه َوَّل ت َ ُموت ُ ان ِإَّل‬
‫َوأَنتُم ُّم ْس ِل ُمونَ } وأمر هنا باإليمان به وبرسوله‪ ،‬وبالقرآن‬
‫وبالكتب المتقدمة‪ ،‬فهذا كله من اإليمان الواجب الذي َّل يكون‬
‫العبد مؤمنا إَّل به‪ ،‬إجماَّل فيما لم يصل إليه تفصيله وتفصيَل‬
‫فيما علم من ذلك بالتفصيل‪ ،‬فمن آمن هذا اإليمان المأمور به‪،‬‬
‫س ِل ِه‬ ‫{و َمن يَ ْكفُ ْر بِ ا‬
‫اّللِ َو َمَلئِ َكتِ ِه َو ُكتُبِ ِه َو ُر ُ‬ ‫فقد اهتدى وأنجح‪َ .‬‬
‫ضَلَّل بَ ِعيدًا} وأي ضَلل أبعد من‬ ‫ض ال َ‬‫اآلخ ِر فَقَ ْد َ‬ ‫ِ‬ ‫َو ْاليَ ْو ِم‬
‫ضَلل من ترك طريق الهدى المستقيم‪ ،‬وسلك الطريق‬
‫الموصلة له إلى العذاب األليم؟"‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫اإلسالم دين هللا الحق‬


‫سورة أل عمران (‪19 :)3‬‬
‫ف ٱلاذِينَ أُوتُواْ‬ ‫ٰ‬
‫قوله تعالى ‪ِ :‬إ ان ٱلدِينَ ِعندَ ٱ اّللِ ٱ ۡ ِإل ۡسلَ ُم َو َما ٱ ۡختَلَ َ‬
‫ب ِإ اَّل ِم ُۢن َبعۡ ِد َما َجا ٓ َء ُه ُم ٱ ۡل ِع ۡل ُم َب ۡغ ُۢ َيا بَ ۡينَ ُه ۡم َو َمن َي ۡكفُ ۡر بِا ٰ َي ِ‬
‫ت ٱ اّللِ‬ ‫ٱ ۡل ِك ٰت َ َ‬
‫ب ‪١٩‬‬ ‫سا ِ‬‫س ِري ُع ٱ ۡل ِح َ‬‫فَإ ِ ان ٱ اّللَ َ‬
‫تفسير‬
‫ولما قرر أنه اإلله الحق المعبود‪ ،‬بين العبادة والدين‬
‫الذي يتعين أن يعبد به ويدان له‪ ،‬وهو اإلسَلم الذي هو‬
‫‪12‬‬
‫اَّلستسَلم هلل بتوحيده وطاعته التي دعت إليها رسله‪ ،‬وحثت‬
‫عليها كتبه‪ ،‬وهو الذي َّل يقبل من أحد دين سواه‪ ،‬وهو متضمن‬
‫لإلخَلص له في الحب والخوف والرجاء واإلنابة والدعاء‬
‫ومتابعة رسوله في ذلك‪ ،‬وهذا هو دين الرسل كلهم‪ ،‬وكل من‬
‫تابعهم فهو على طريقهم‪ ،‬وإنما اختلف أهل الكتاب بعد ما‬
‫جاءتهم كتبهم تحثهم على اَّلجتماع على دين هللا‪ ،‬بغيا بينهم‪،‬‬
‫وظلما وعدوانا من أنفسهم‪ ،‬وإَّل فقد جاءهم السبب األكبر‬
‫الموجب أن يتبعوا الحق ويتركوا اَّلختَلف‪ ،‬وهذا من كفرهم‪،‬‬
‫فلهذا قال تعالى {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إَّل من بعد ما‬
‫جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات هللا فإن هللا سريع‬
‫الحساب} فيجازي كل عامل بعمله‪ ،‬وخصوصا من ترك الحق‬
‫بعد معرفته‪ ،‬فهذا مستحق للوعيد الشديد والعقاب األليم‪ ،‬ثم أمر‬
‫تعالى رسوله صلى هللا عليه وسلم عند محاجة النصارى‬
‫وغيرهم ممن يفضل غير دين اإلسَلم‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫ال يقبل هللا إال اإلسالم‬


‫سورة أل عمران (‪85 :)3‬‬
‫ٰ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬و َمن يَ ۡبتَغِ غ َۡي َر ٱ ۡ ِإل ۡسلَ ِم د اِينا فَلَن يُ ۡقبَ َل ِم ۡنهُ َو ُه َو فِي‬
‫ٱ ۡأل ٓ ِخ َرةِ ِمنَ ٱ ۡل ٰ َخس ِِرينَ ‪٨٥‬‬
‫تفسير‬
‫أي‪ :‬من يدين هلل بغير دين اإلسَلم الذي ارتضاه هللا‬
‫لعباده‪ ،‬فعمله مردود غير مقبول‪ ،‬ألن دين اإلسَلم هو‬
‫‪13‬‬
‫المتضمن لَلستسَلم هلل‪ ،‬إخَلصا وانقيادا لرسله فما لم يأت به‬
‫العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب هللا والفوز بثوابه‪ ،‬وكل‬
‫دين سواه فباطل‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫فضل العلم‬
‫سورة الزمر (‪9 :)39‬‬
‫اجدا ا َوقَآئِ اما يَ ۡحذَ ُر ٱ ۡأل ٓ ِخ َرة َ‬
‫س ِ‬‫ت َءانَا ٓ َء ٱلا ۡي ِل َ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬أ َ ام ۡن ُه َو ٰقَنِ ٌ‬
‫َويَ ۡر ُجواْ َر ۡح َمةَ َربِ ِهۦ قُ ۡل ه َۡل يَ ۡست َ ِوي ٱلاذِينَ يَعۡ لَ ُمونَ َوٱلاذِينَ ََّل‬
‫ب‪٩‬‬ ‫يَعۡ لَ ُمونَ ِإنا َما يَتَذَ اك ُر أ ُ ْولُواْ ٱ ۡأل َ ۡل ٰبَ ِ‬
‫تفسير‬
‫هذه مقابلة بين العامل بطاعة ّللا وغيره‪ ،‬وبين العالم‬
‫والجاهل‪ ،‬وأن هذا من األمور التي تقرر في العقول تباينها‪،‬‬
‫وعلم علما يقينا تفاوتها‪ ،‬فليس المعرض عن طاعة ربه‪ ،‬المتبع‬
‫لهواه‪ ،‬كمن هو قانت أي‪ :‬مطيع ّلل بأفضل العبادات وهي‬
‫الصَلة‪ ،‬وأفضل األوقات وهو أوقات الليل‪ ،‬فوصفه بكثرة‬
‫العمل وأفضله‪ ،‬ثم وصفه بالخوف والرجاء‪ ،‬وذكر أن متعلق‬
‫الخوف عذاب اآلخرة‪ ،‬على ما سلف من الذنوب‪ ،‬وأن متعلق‬
‫الرجاء‪ ،‬رحمة ّللا‪ ،‬فوصفه بالعمل الظاهر والباطن‪.‬‬
‫{قُ ْل ه َْل يَ ْست َ ِوي الاذِينَ يَ ْعلَ ُمونَ } ربهم ويعلمون دينه‬
‫الشرعي ودينه الجزائي‪ ،‬وما له في ذلك من األسرار والحكم‬
‫{والاذِينَ َّل يَ ْعلَ ُمونَ } شيئا من ذلك؟ َّل يستوي هؤَّلء وَّل‬ ‫َ‬

‫‪14‬‬
‫هؤَّلء‪ ،‬كما َّل يستوي الليل والنهار‪ ،‬والضياء والظَلم‪ ،‬والماء‬
‫والنار‪.‬‬
‫ب} أي‪ :‬أهل العقول‬ ‫{إِنا َما يَتَذَ اك ُر} إذا ذكروا {أُولُو ْ‬
‫األلبَا ِ‬
‫الزكية الذكية‪ ،‬فهم الذين يؤثرون األعلى على األدنى‪،‬‬
‫فيؤثرون العلم على الجهل‪ ،‬وطاعة ّللا على مخالفته‪ ،‬ألن لهم‬
‫عقوَّل ترشدهم للنظر في العواقب‪ ،‬بخَلف من َّل لب له وَّل‬
‫عقل‪ ،‬فإنه يتخذ إلهه هواه‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫سورة المجادلة (‪11 :)58‬‬


‫س ُحواْ فِي ٱ ۡل َم ٰ َج ِل ِس‬‫قوله تعالى‪َٓ ٰ :‬يأَيُّ َها ٱلاذِينَ َءا َمنُ ٓواْ ِإذَا قِي َل لَ ُك ۡم تَفَ ا‬
‫ش ُزواْ َي ۡرفَعِ ٱ اّللُ ٱلاذِينَ‬
‫ش ُزواْ فَٱن ُ‬ ‫سحِ ٱ اّللُ لَ ُك ۡۖم َو ِإذَا ِقي َل ٱن ُ‬ ‫فَٱ ۡف َ‬
‫س ُحواْ َي ۡف َ‬
‫ت َوٱ اّللُ بِ َما ت َعۡ َملُونَ َخبِ ‪ٞ‬ير‬ ‫َءا َمنُواْ ِمن ُك ۡم َوٱلاذِينَ أُوتُواْ ٱ ۡل ِع ۡل َم دَ َر ٰ َج ۚ ّٖ‬
‫‪١١‬‬
‫تفسير‬
‫هذا تأديب من هللا لعباده المؤمنين‪ ،‬إذا اجتمعوا في‬
‫مجلس من مجالس مجتمعاتهم‪ ،‬واحتاج بعضهم أو بعض‬
‫القادمين عليهم للتفسح له في المجلس‪ ،‬فإن من األدب أن‬
‫يفسحوا له تحصيَل لهذا المقصود‪.‬‬
‫وليس ذلك بضار للجالس شيئا‪ ،‬فيحصل مقصود أخيه من غير‬
‫ضرر يلحقه هو‪ ،‬والجزاء من جنس العمل‪ ،‬فإن من فسح فسح‬
‫هللا له‪ ،‬ومن وسع ألخيه‪ ،‬وسع هللا عليه‪.‬‬
‫ش ُزوا} أي‪ :‬ارتفعوا وتنحوا عن مجالسكم‬ ‫{و ِإذَا ِقي َل ا ْن ُ‬‫َ‬
‫ش ُزوا } أي‪ :‬فبادروا للقيام لتحصيل تلك‬ ‫لحاجة تعرض‪ { ،‬فَا ْن ُ‬
‫المصلحة‪ ،‬فإن القيام بمثل هذه األمور من العلم واإليمان‪ ،‬وهللا‬
‫‪15‬‬
‫تعالى يرفع أهل العلم واإليمان درجات بحسب ما خصهم هللا‬
‫به‪ ،‬من العلم واإليمان‪.‬‬
‫ير} فيجازي كل عامل بعمله‪ ،‬إن‬ ‫ّللاُ بِ َما ت َ ْع َملُونَ َخبِ ٌ‬
‫{و ا‬‫َ‬
‫خيرا فخير‪ ،‬وإن شرا فشر‪.‬‬
‫وفي هذه اآلية فضيلة العلم‪ ،‬وأن زينته وثمرته التأدب‬
‫بآدابه والعمل بمقتضاه‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬


‫سورة أل عمران (‪110 :)3‬‬
‫ۡ‬
‫اس تَأ ُم ُرونَ بِٱل َمعۡ ُر ِ‬
‫وف‬ ‫ۡ‬ ‫قوله تعالى‪ُ :‬كنت ُ ۡم خ َۡي َر أ ُ ام ٍّة أ ُ ۡخ ِر َج ۡت ِللنا ِ‬
‫َوت َ ۡن َه ۡونَ َع ِن ٱ ۡل ُمن َك ِر َوت ُ ۡؤ ِمنُونَ ِبٱ اّللِ َولَ ۡو َءا َمنَ أ َ ۡه ُل ٱ ۡل ِك ٰت َ ِ‬
‫ب لَ َكانَ‬
‫خ َۡي ارا لا ُه ۚم ِم ۡن ُه ُم ٱ ۡل ُم ۡؤ ِمنُونَ َوأ َ ۡكث َ ُرهُ ُم ٱ ۡل ٰفَ ِسقُونَ ‪١١٠‬‬
‫تفسير‬
‫يمدح تعالى هذه األمة ويخبر أنها خير األمم التي‬
‫أخرجها هللا للناس‪ ،‬وذلك بتكميلهم ألنفسهم باإليمان المستلزم‬
‫للقيام بكل ما أمر هللا به‪ ،‬وبتكميلهم لغيرهم باألمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى هللا وجهادهم‬
‫على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضَللهم وغيهم‬
‫وعصيانهم‪ ،‬فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬لما كانت‬
‫اآلية السابقة وهي قوله‪{ :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير‬
‫ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} أمرا منه تعالى لهذه‬
‫األمة‪ ،‬واألمر قد يمتثله المأمور ويقوم به‪ ،‬وقد َّل يقوم به‪،‬‬
‫أخبر في هذه اآلية أن األمة قد قامت بما أمرها هللا بالقيام به‪،‬‬
‫‪16‬‬
‫وامتثلت أمر ربها واستحقت الفضل على سائر األمم {ولو آمن‬
‫أهل الكتاب لكان خيرا لهم} وفي هذا من دعوته بلطف‬
‫الخطاب ما يدعوهم إلى اإليمان‪ ،‬ولكن لم يؤمن منهم إَّل قليل‪،‬‬
‫وأكثرهم الفاسقون الخارجون عن طاعة هللا المعادون ألولياء‬
‫هللا بأنواع العداوة‪ ،‬ولكن من لطف هللا بعباده المؤمنين أنه رد‬
‫كيدهم في نحورهم‪ ،‬فليس على المؤمنين منهم ضرر في‬
‫أديانهم وَّل أبدانهم‪ ،‬وإنما غاية ما يصلون إليه من األذى أذية‬
‫الكَلم التي َّل سبيل إلى السَلمة منها من كل معادي‪ ،‬فلو قاتلوا‬
‫المؤمنين لولوا األدبار فرارا ثم تستمر هزيمتهم ويدوم ذلهم‬
‫وَّل هم ينصرون في وقت من األوقات‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫األمر فى إصالح بين المؤمنين‬


‫سورة الحجرات (‪10 : )49‬‬
‫قوله تعالى‪ِ :‬إنا َما ۡٱل ُم ۡؤ ِمنُونَ ِإ ۡخ َو ‪ٞ‬ة فَأَصۡ ِل ُحواْ بَ ۡينَ أَخ ََو ۡي ُك ۡۚم َوٱتاقُواْ‬
‫ٱّللَ لَ َعلا ُك ۡم ت ُ ۡر َح ُمونَ ‪١٠‬‬
‫ا‬
‫تفسير‬
‫{ ِإنا َما ْال ُمؤْ ِمنُونَ ِإ ْخ َوةٌ} هذا عقد‪ ،‬عقده هللا بين المؤمنين‪،‬‬
‫أنه إذا وجد من أي شخص كان‪ ،‬في مشرق األرض ومغربها‪،‬‬
‫اإليمان باهلل‪ ،‬ومَلئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬فإنه أخ‬
‫للمؤمنين‪ ،‬أخوة توجب أن يحب له المؤمنون‪ ،‬ما يحبون‬
‫ألنفسهم‪ ،‬ويكرهون له‪ ،‬ما يكرهون ألنفسهم‪ ،‬ولهذا قال النبي‬
‫آمرا بحقوق األخوة اإليمانية‪َّ" :‬ل‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ً‬
‫‪17‬‬
‫تحاسدوا‪ ،‬وَّل تناجشوا‪ ،‬وَّل تباغضوا‪ ،‬وَّل يبع أحدكم على بيع‬
‫بعض‪ ،‬وكونوا عباد هللا إخوانًا المؤمن أخو المؤمن‪َّ ،‬ل يظلمه‪،‬‬
‫وَّل يخذله‪ ،‬وَّل يحقره"‪.‬‬
‫وقال صلى هللا عليه وسلم "المؤمن للمؤمن‪ ،‬كالبنيان‬
‫ضا" وشبك صلى هللا عليه وسلم بين أصابعه‪.‬‬ ‫يشد بعضه بع ً‬
‫ولقد أمر هللا ورسوله‪ ،‬بالقيام بحقوق المؤمنين‪ ،‬بعضهم لبعض‪،‬‬
‫وبما به يحصل التآلف والتوادد‪ ،‬والتواصل بينهم‪ ،‬كل هذا‪،‬‬
‫تأييد لحقوق بعضهم على بعض‪ ،‬فمن ذلك‪ ،‬إذا وقع اَّلقتتال‬
‫بينهم‪ ،‬الموجب لتفرق القلوب وتباغضها [وتدابرها]‪ ،‬فليصلح‬
‫المؤمنون بين إخوانهم‪ ،‬وليسعوا فيما به يزول شنآنهم‪.‬‬
‫ثم أمر بالتقوى عمو ًما‪ ،‬ورتب على القيام بحقوق‬
‫المؤمنين وبتقوى هللا‪ ،‬الرحمة [ فقال‪ { :‬لَ َعلا ُك ْم ت ُ ْر َح ُمونَ } وإذا‬
‫حصلت الرحمة‪ ،‬حصل خير الدنيا واآلخرة‪ ،‬ودل ذلك‪ ،‬على‬
‫أن عدم القيام بحقوق المؤمنين‪ ،‬من أعظم حواجب الرحمة‪.‬‬
‫وفي هذه اآلية فوائد‪ ،‬غير ما تقدم‪ :‬أن اَّلقتتال بين المؤمنين‬
‫مناف لألخوة اإليمانية‪ ،‬ولهذا‪ ،‬كان من أكبر الكبائر‪ ،‬وأن‬
‫اإليمان‪ ،‬واألخوة اإليمانية‪َّ ،‬ل تزول مع وجود القتال كغيره‬
‫من الذنوب الكبار‪ ،‬التي دون الشرك‪ ،‬وعلى ذلك مذهب أهل‬
‫السنة والجماعة‪ ،‬وعلى وجوب اإلصَلح‪ ،‬بين المؤمنين‬
‫بالعدل‪ ،‬وعلى وجوب قتال البغاة‪ ،‬حتى يرجعوا إلى أمر هللا‪،‬‬
‫وعلى أنهم لو رجعوا‪ ،‬لغير أمر هللا‪ ،‬بأن رجعوا على وجه َّل‬
‫يجوز اإلقرار عليه والتزامه‪ ،‬أنه َّل يجوز ذلك‪ ،‬وأن أموالهم‬
‫معصومة‪ ،‬ألن هللا أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم‬
‫خاصة‪ ،‬دون أموالهم‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬
‫‪18‬‬
‫الحث على قيام الليل‬
‫سورة اإلسراء (‪79 : )17‬‬
‫قوله تعالى‪َ :‬و ِمنَ ٱلا ۡي ِل فَت َ َه اج ۡد ِب ِهۦ نَافِلَ اة لا َك َع َ‬
‫س ٰ ٓى أَن يَ ۡب َعث َ َك َرب َُّك‬
‫َمقَ ااما ام ۡح ُمودا ا ‪٧٩‬‬
‫{و ِمنَ اللا ْي ِل َفت َ َه اج ْد بِ ِه} أي‪ :‬صل به في سائر أوقاته‪،‬‬
‫َ‬
‫{نَافِلَةً لَ َك} أي‪ :‬لتكون صَلة الليل زيادة لك في علو القدر‪،‬‬
‫ورفع الدرجات‪ ،‬بخَلف غيرك‪ ،‬فإنها تكون كفارة لسيئاته‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون المعنى‪ :‬أن الصلوات الخمس فرض‬
‫عليك وعلى المؤمنين‪ ،‬بخَلف صَلة الليل‪ ،‬فإنها فرض عليك‬
‫بالخصوص‪ ،‬ولكرامتك على هللا‪ ،‬أن جعل وظيفتك أكثر من‬
‫غيرك‪ ،‬وليكثر ثوابك‪ ،‬وتنال بذلك المقام المحمود‪ ،‬وهو المقام‬
‫الذي يحمده فيه األولون واآلخرون‪ ،‬مقام الشفاعة العظمى‪،‬‬
‫حين يتشفع الخَلئق بآدم‪ ،‬ثم بنوح‪ ،‬ثم إبراهيم‪ ،‬ثم موسى‪ ،‬ثم‬
‫عيسى‪ ،‬وكلهم يعتذر ويتأخر عنها‪ ،‬حتى يستشفعوا بسيد ولد‬
‫آدم‪ ،‬ليرحمهم هللا من هول الموقف وكربه‪ ،‬فيشفع عند ربه‬
‫فيشفعه‪ ،‬ويقيمه مقا ًما يغبطه به األولون واآلخرون‪ ،‬وتكون له‬
‫المنة على جميع الخلق‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬
‫سورة السجدة (‪16 :)32‬‬

‫‪19‬‬
‫اجعِ يَ ۡدعُونَ َربا ُه ۡم خ َۡو افا‬
‫ض ِ‬‫قوله تعالى‪ :‬تَت َ َجافَ ٰى ُجنُوبُ ُه ۡم َع ِن ٱ ۡل َم َ‬
‫ط َم اعا َو ِم اما َرزَ ۡق ٰنَ ُه ۡم يُن ِفقُونَ ‪١٦‬‬ ‫َو َ‬
‫تفسير‬
‫اجعِ} أي‪ :‬ترتفع جنوبهم‪،‬‬ ‫ض ِ‬‫{تَت َ َجافَى ُجنُوبُ ُه ْم َع ِن ْال َم َ‬
‫وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة‪ ،‬إلى ما هو ألذ عندهم منه وأحب‬
‫إليهم‪ ،‬وهو الصَلة في الليل‪ ،‬ومناجاة ّللا تعالى‪.‬‬
‫ولهذا قال‪{ :‬يَ ْدعُونَ َربا ُه ْم} أي‪ :‬في جلب مصالحهم‬
‫ط َمعًا} أي‪:‬‬ ‫الدينية والدنيوية‪ ،‬ودفع مضارهما‪{ .‬خ َْوفًا َو َ‬
‫جامعين بين الوصفين‪ ،‬خوفًا أن ترد أعمالهم‪ ،‬وطمعًا في‬
‫قبولها‪ ،‬خوفًا من عذاب ّللا‪ ،‬وطمعًا في ثوابه‪.‬‬
‫كثيرا‬
‫ً‬ ‫{و ِم اما َرزَ ْقنَا ُه ْم} من الرزق‪ ،‬قليَل كان أو‬ ‫َ‬
‫{يُ ْن ِفقُونَ } ولم يذكر قيد النفقة‪ ،‬وَّل المنفق عليه‪ ،‬ليدل على‬
‫العموم‪ ،‬فإنه يدخل فيه‪ ،‬النفقة الواجبة‪ ،‬كالزكوات‪ ،‬والكفارات‪،‬‬
‫ونفقة الزوجات واألقارب‪ ،‬والنفقة المستحبة في وجوه الخير‪،‬‬
‫والنفقة واإلحسان المالي‪ ،‬خير مطلقًا‪ ،‬سواء وافق غنيًا أو‬
‫فقيرا‪ ،‬قريبًا أو بعيدًا‪ ،‬ولكن األجر يتفاوت‪ ،‬بتفاوت النفع‪ ،‬فهذا‬ ‫ً‬
‫عملهم‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬
‫سورة المزمل (‪1-4 :)32‬‬
‫ص‬‫قوله تعالى‪ٓ ٰ :‬يَأَيُّ َها ٱ ۡل ُم از ِم ُل ‪ ١‬قُ ِم ٱلا ۡي َل ِإ اَّل قَ ِل ايَل ‪ ٢‬نِصۡ فَ ٓهۥُ أ َ ِو ٱنقُ ۡ‬
‫يَل ‪ ٣‬أ َ ۡو ِز ۡد َعلَ ۡي ِه َو َرتِ ِل ٱ ۡلقُ ۡر َءانَ ت َ ۡرتِ ً‬
‫يَل ‪٤‬‬ ‫ِم ۡنهُ قَ ِل ً‬
‫تفسير‬
‫المزمل‪ :‬المتغطي بثيابه كالمدثر‪ ،‬وهذا الوصف حصل‬
‫من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حين أكرمه هللا برسالته‪،‬‬
‫‪20‬‬
‫وابتدأه بإنزال [وحيه بإرسال] جبريل إليه‪ ،‬فرأى أمرا لم ير‬
‫مثله‪ ،‬وَّل يقدر على الثبات له إَّل المرسلون‪ ،‬فاعتراه في ابتداء‬
‫ذلك انزعاج حين رأى جبريل عليه السَلم‪ ،‬فأتى إلى أهله‪،‬‬
‫فقال‪ " :‬زملوني زملوني " وهو ترعد فرائصه‪ ،‬ثم جاءه جبريل‬
‫فقال‪ " :‬اقرأ " فقال‪ " :‬ما أنا بقارئ " فغطه حتى بلغ منه‬
‫الجهد‪ ،‬وهو يعالجه على القراءة‪ ،‬فقرأ صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ثم‬
‫ألقى هللا عليه الثبات‪ ،‬وتابع عليه الوحي‪ ،‬حتى بلغ مبلغا ما بلغه‬
‫أحد من المرسلين‪.‬‬
‫فسبحان هللا‪ ،‬ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها‪،‬‬
‫ولهذا خاطبه هللا بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره‪.‬‬
‫فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به‪ ،‬ثم أمره بالصبر على‬
‫أذية أعدائه‪ ،‬ثم أمره بالصدع بأمره‪ ،‬وإعَلن دعوتهم إلى هللا‪،‬‬
‫فأمره هنا بأشرف العبادات‪ ،‬وهي الصَلة‪ ،‬وبآكد األوقات‬
‫وأفضلها‪ ،‬وهو قيام الليل‪.‬‬
‫ومن رحمته تعالى‪ ،‬أنه لم يأمره بقيام الليل كله‪ ،‬بل قال‪:‬‬
‫{قُ ِم اللا ْي َل إَِّل قَ ِليَل}‪.‬‬
‫ص ِم ْنهُ} أي‪ :‬من‬ ‫صفَهُ أ َ ِو ا ْنقُ ْ‬
‫ثم قدر ذلك فقال‪{ :‬نِ ْ‬
‫النصف {قَ ِليَل} بأن يكون الثلث ونحوه‪.‬‬
‫{أ َ ْو ِز ْد َعلَ ْي ِه} أي‪ :‬على النصف‪ ،‬فيكون الثلثين ونحوها‪.‬‬
‫{و َرتِ ِل ْالقُ ْرآنَ ت َ ْرتِيَل} فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر‬ ‫َ‬
‫والتفكر‪ ،‬وتحريك القلوب به‪ ،‬والتعبد بآياته‪ ،‬والتهيؤ‬
‫واَّلستعداد التام له‪.‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬

‫الحث على التوبة‬


‫‪21‬‬
‫سورة أل عمران (‪135 : )3‬‬
‫ظلَ ُم ٓواْ أَنفُ َ‬
‫س ُه ۡم ذَ َك ُرواْ ٱ اّللَ‬ ‫قوله تعالى‪َ :‬وٱلاذِينَ ِإذَا فَ َعلُواْ ٰفَ ِح َ‬
‫شةً أ َ ۡو َ‬
‫ص ُّرواْ َعلَ ٰى‬ ‫فَٱ ۡست َ ۡغفَ ُرواْ ِلذُنُو ِب ِه ۡم َو َمن يَ ۡغ ِف ُر ٱلذُّنُ َ‬
‫وب ِإ اَّل ٱ اّللُ َولَ ۡم يُ ِ‬
‫َما فَ َعلُواْ َو ُه ۡم َيعۡ لَ ُمونَ ‪١٣٥‬‬

‫تفسير‬
‫فقال‪{ :‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} أي‪:‬‬
‫صدر منهم أعمال [سيئة] كبيرة‪ ،‬أو ما دون ذلك‪ ،‬بادروا إلى‬
‫التوبة واَّلستغفار‪ ،‬وذكروا ربهم‪ ،‬وما توعد به العاصين ووعد‬
‫به المتقين‪ ،‬فسألوه المغفرة لذنوبهم‪ ،‬والستر لعيوبهم‪ ،‬مع‬
‫إقَلعهم عنها وندمهم عليها‪ ،‬فلهذا قال‪{ :‬ولم يصروا على ما‬
‫فعلوا وهم يعلمون}‪.‬‬
‫صالة الجمعة‬
‫سورة الجمعة (‪9-11 : )62‬‬
‫صلَ ٰو ِة ِمن َي ۡو ِم ٱ ۡل ُج ُم َع ِة‬ ‫ٓ‬
‫ِي ِلل ا‬ ‫قوله تعالى‪َ ٰ :‬يأَيُّ َها ٱلاذِينَ َءا َمنُ ٓواْ إِذَا نُود َ‬
‫فَٱ ۡسعَ ۡواْ إِلَ ٰى ذ ِۡك ِر ٱ اّللِ َوذَ ُرواْ ٱ ۡلبَ ۡي ۚ َع ٰذَ ِل ُك ۡم خ َۡي ‪ٞ‬ر لا ُك ۡم إِن ُكنت ُ ۡم ت َعۡ لَ ُمونَ‬
‫ض ِل‬ ‫ض َوٱ ۡبتَغُواْ ِمن فَ ۡ‬ ‫صلَ ٰوة ُ فَٱنتَش ُِرواْ فِي ٱ ۡأل َ ۡر ِ‬ ‫ت ٱل ا‬ ‫ضيَ ِ‬ ‫‪ ٩‬فَإِذَا قُ ِ‬
‫ٱ اّللِ َوٱ ۡذ ُك ُرواْ ٱ اّللَ َكثِ ايرا لا َعلا ُك ۡم ت ُ ۡف ِل ُحونَ ‪َ ١٠‬و ِإذَا َرأ َ ۡواْ تِ ٰ َج َرة ً أ َ ۡو لَهۡ ًوا‬
‫وك قَآئِ ام ۚا قُ ۡل َما ِعندَ ٱ اّللِ خ َۡي ‪ٞ‬ر ِمنَ ٱللاهۡ ِو َو ِمنَ‬ ‫ٱنفَض ُّٓواْ ِإلَ ۡي َها َوت َ َر ُك َ‬
‫لر ِز ِقينَ ‪١١‬‬ ‫ٱ ِلت ٰ َج َر ۚ ِة َوٱ اّللُ خ َۡي ُر ٱ ٰ ا‬
‫‪22‬‬
‫تفسير‬
‫يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصَلة الجمعة‬
‫والمبادرة إليها‪ ،‬من حين ينادى لها والسعي إليها‪ ،‬والمراد‬
‫بالسعي هنا‪ :‬المبادرة إليها واَّلهتمام لها‪ ،‬وجعلها أهم األشغال‪،‬‬
‫َّل العدو الذي قد نهي عنه عند المضي إلى الصَلة‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫{وذَ ُروا ْالبَ ْي َع} أي‪ :‬اتركوا البيع‪ ،‬إذا نودي للصَلة‪ ،‬وامضوا‬ ‫َ‬
‫إليها‪.‬‬
‫فإن {ذَ ِل ُك ْم َخي ٌْر لَ ُك ْم} من اشتغالكم بالبيع‪ ،‬وتفويتكم‬
‫الصَلة الفريضة‪ ،‬التي هي من آكد الفروض‪.‬‬
‫{ ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ } أن ما عند هللا خير وأبقى‪ ،‬وأن من‬
‫آثر الدنيا على الدين‪ ،‬فقد خسر الخسارة الحقيقية‪ ،‬من حيث ظن‬
‫أنه يربح‪ ،‬وهذا األمر بترك البيع مؤقت مدة الصَلة‪.‬‬
‫ض} لطلب‬ ‫األر ِ‬
‫ْ‬ ‫صَلة ُ فَا ْنتَش ُِروا ِفي‬‫ت ال ا‬ ‫ض َي ِ‬ ‫{فَإِذَا قُ ِ‬
‫المكاسب والتجارات ولما كان اَّلشتغال في التجارة‪ ،‬مظنة‬
‫{وا ْذ ُك ُروا‬ ‫الغفلة عن ذكر هللا‪ ،‬أمر هللا باإلكثار من ذكره‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫يرا} أي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم‪{ ،‬لَ َعلا ُك ْم‬ ‫ّللاَ َكثِ ً‬
‫ا‬
‫ت ُ ْف ِل ُحونَ } فإن اإلكثار من ذكر هللا أكبر أسباب الفَلح‪.‬‬
‫ارة ً أ َ ْو لَ ْه ًوا ا ْنفَضُّوا ِإلَ ْي َها} أي‪ :‬خرجوا‬
‫{و ِإذَا َرأ َ ْوا تِ َج َ‬
‫َ‬
‫صا على ذلك اللهو‪ ،‬و [تلك] التجارة‪ ،‬وتركوا‬ ‫من المسجد‪ ،‬حر ً‬
‫وك قَائِ ًما} تخطب الناس‪ ،‬وذلك [في] يوم جمعة‪،‬‬ ‫{وت َ َر ُك َ‬ ‫الخير‪َ ،‬‬
‫بينما النبي صلى هللا عليه وسلم يخطب الناس‪ ،‬إذ قدم المدينة‪،‬‬
‫عير تحمل تجارة‪ ،‬فلما سمع الناس بها‪ ،‬وهم في المسجد‪،‬‬
‫انفضوا من المسجد‪ ،‬وتركوا النبي صلى هللا عليه وسلم يخطب‬
‫استعجاَّل لما َّل ينبغي أن يستعجل له‪ ،‬وترك أدب‪{ ،‬قُ ْل َما ِع ْندَ‬
‫‪23‬‬
‫ّللاِ} من األجر والثواب‪ ،‬لمن َّلزم الخير وصبر نفسه على‬ ‫ا‬
‫عبادة هللا‪.‬‬
‫ارةِ } التي‪ ،‬وإن حصل منها‬ ‫{ َخي ٌْر ِمنَ اللا ْه ِو َو ِمنَ التِ َج َ‬
‫بعض المقاصد‪ ،‬فإن ذلك قليل منغص‪ ،‬مفوت لخير اآلخرة‪،‬‬
‫وليس الصبر على طاعة هللا مفوتًا للرزق‪ ،‬فإن هللا خير‬
‫الرازقين‪ ،‬فمن اتقى هللا رزقه من حيث َّل يحتسب‪.‬‬
‫وفي هذه اآليات فوائد عديدة‪:‬‬
‫منها‪ :‬أن الجمعة فريضة على جميع المؤمنين‪ ،‬يجب عليهم‬
‫السعي لها‪ ،‬والمبادرة واَّلهتمام بشأنها‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الخطبتين يوم الجمعة‪ ،‬فريضتان (‪ )1‬يجب‬
‫حضورهما‪ ،‬ألنه فسر الذكر هنا بالخطبتين‪ ،‬فأمر هللا بالمضي‬
‫إليه والسعي له‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬مشروعية النداء ليوم الجمعة‪ ،‬واألمر به‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬النهى عن البيع والشراء‪ ،‬بعد [ ص ‪ ] 864‬نداء‬
‫الجمعة‪ ،‬وتحريم ذلك‪ ،‬وما ذاك إَّل ألنه يفوت الواجب ويشغل‬
‫عنه‪ ،‬فدل ذلك على أن كل أمر ولو كان مبا ًحا في األصل‪ ،‬إذا‬
‫كان ينشأ عنه تفويت واجب‪ ،‬فإنه َّل يجوز في تلك الحال‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬األمر بحضور الخطبتين (‪ )2‬يوم الجمعة‪ ،‬وذم من لم‬
‫يحضرهما‪ ،‬ومن َّلزم ذلك اإلنصات لهما‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة هللا‪ ،‬وقت دواعي‬
‫النفس لحضور اللهو [والتجارات] والشهوات‪ ،‬أن يذكرها بما‬
‫عند هللا من الخيرات‪ ،‬وما لمؤثر رضاه على هواه‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -‬الحمد هلل تم المجلد ‪- 1‬‬

‫‪25‬‬

You might also like