Professional Documents
Culture Documents
والموت الشرعي؟
الدكتور محمد علي البار
لكي نبحث هذا الموضوع ل بد أول ً من تعريف الموت عند الفقهاء والطباء
ومعرفة علماته عند كل منهما ثم توضيح تلك الفروق بينهما.
ولقد صدق المام الغزالي حين قال :نعم ل يمكن كشف الغطاء عن كُنه
الموت إذ ل يعرف الموت من ل يعرف الحياة ،ومعرفة الحياة معرفة حقيقة
الروح في نفسها وإدراك ماهية ذاتها ،ولم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يتكلم فيها ول أن يزيد على أن يقول (الروح من أمر ربي) ،فليس لحد
من علماء الدين أن يكشف سر الروح وإن اطلع عليه ،وإنما المأذون فيه ذكر
حال الروح بعد الموت»..)1(.
والمفهوم السلمي للموت هو انتقال الروح من الجسد إلى ما أعد لها من
نعيم أو عذاب .والروح مخلوقة مربوبة ،خلقها الله تعالى ،ثم هي خالدة،
والمقصود بموتها مفارقتها الجسد .هذا هو مفهوم جمهور علماء المسلمين
للموت وإن خالف من خالف من المعتزلة وغيرهم.
وقال المام الغزالي في الحياء« :إن الموت معناه تغير حال فقط وإن
الروح باقية بعد مفارقة الجسد ،إما معذبة وإما منعّمة .ومعنى مفارقتها للجسد
انقطاع تصرفها عنه بخروج الجسد عن طاعتها فإن العضاء آلت للروح تستعملها
حتى أنها لتبطش باليد وتسمع بالذن وتبصر بالعين .وتعلم حقيقة الشياء بالقلب،
والقلب هنا عبارة عن الروح.
والروح تعلم الشياء بنفسها من غير آلة ..والموت عبارة عن استعصاء العضاء
كلها ،وكل العضاء آلت والروح هي المستعملة لها ،وأعني بالروح المعنى الذي
يدرك من النسان العلوم وآلم الغموم ولذات الفراح .ومهما بطل تصرفها في
العضاء لم تبطل منها العلوم والدراكات ول بطل منها الفراح والغموم ،ول بطل
منها قبولها لللم واللذات .والنسان بالحقيقة هو المعنى المدرك للعلوم واللت
واللذات ،وذلك ل يموت أي ل ينعدم -ومعنى الموت انقطاع تصرفه عن البدن
وخروج البدن عن أن يكون آلة له».
(..)3
قال المام ابن تيمية« :قد استفاضت الحاديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأن الرواح تقبض وتنعم وتعذب .ويقال لها :أخرجي أيتها الروح
الطيبة»..)4(.
إخراج الروح:
وقد وكل الله سبحانه وتعالى ملئكة يقومون بإخراج الروح من البدن .قال
تعالى{ :قل يتوفاكم ملك الموت الذي ُوكِّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون}
(السجدة )11 :وملك الموت الموكل بأرواح الدميين هو عزرائيل عليه السلم
ويساعده في ذلك عدد غير معروف من الملئكة .قال تعالى{ :إن الذين توفاهم
الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم ،قالوا كنا مستضعفين في الرض ،قالوا
ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ،فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا}
(النساء .)97 :وقال تعالى{ :ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملئكة
باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم} (النعام .)93 :ولو رأينا ذلك لرأينا أمرا مهول
مرعبا ...وعلى العكس من ذلك تقوم الملئكة بتبشير المؤمنين الذين عملوا
الصالحات وتسلم عليهم وتنزع أرواحهم نزعا رفيقا .قال تعالى{ :الذين تتوفاهم
الملئكة طيبين يقولون سلم عليكم} (النحل .)32 :ول ينفي ذلك كرب الساق
وآلم النزع فقد تألم خير الخلق وأكرمهم على الله سبحانه وتعالى محمد صلى
الله عليه وسلم وكرب في نزعه حتى قالت فاطمة رضي الله عنها «واكرب
ابتاه» فقال لها :ل كرب على أبيك بعد اليوم.
( ..)8ولكن ما يخفف عن المؤمن آلم النزع وكرب السبات ما يراه من البشائر
عند قدوم الملئكة .قال تعالى{ :يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية
مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} (الفجر .)30-27 :قال المفسرون
يقال لها ذلك عند النزع وعند البعث .)9(.وقال ابن القيم «حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن المؤمن تحضره الملئكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا :اخرجي
أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ،أخرجي حميدة وأبشري بروح
وريحان ورب غير غضبان فل يزال يقال لها ذلك حتى تخرج» .)10(.الحديث.
أما الكفرة والعصاة للردة فإنه ينكل بهم ،ويرون سوء مصيرهم عند
الموت ،وتضرب الملئكة وجوههم وأدبارهم ..قال تعالى{ :ولو ترى إذ الظالمون
في غمرات الموت والملئكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم ،اليوم تجزون
عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}
(النعام .)93 :وقال تعالى{ :ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملئكة يضربون
وجوههم وأدبارهم} (النفال.)50 :
وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة قال :وإذا كان الرجل السيء قال «أي
الملك» اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ،اخرجي ذميمة
وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فل يزال يقال لها حتى تخرج»(.
..)1
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم توضح كيفية
إخراج الملئكة لروح المؤمن وروح الكافر .وما في الول من تيسير حتى تسيل
مثل الماء من فم السقاء ،وما في الثاني من تنكيل حتى تخرج كما يخرج ال َّ
سفّود
المبلل من كومة من الصوف كما جاء في حديث البراء بن عازب وغيره الذي
أخرجه ابن منده وذكره ابن القيم بطوله في كتاب الروح ..)12(.وقد استوفى
ابن القيم في الروح ذكر الكثير من هذه الحاديث (ص.)50-46
ويأتي السناد في إخراج الروح في بعض اليات إلى الله سبحانه وتعالى
مباشرة ،حيث الفاعل على الحقيقة هو الله ول أحد سواه ،قال تعالى{ :الله
يتوفى النفس حين موتها} (الزمر ،)42 :والله سبحانه وتعالى هو الفاعل لكل
شيء في هذا الكون صغيره وكبيره .والملك مأمور يفعل ما أمره به ربه سبحانه
وتعالى.
الروح في الجنين:
وكذلك الروح في الجنين ل تنفخ فيه إل بعد كمال تسوية الجسد .قال
تعالى {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق النسان من طين .ثم جعل نسله
من سللة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه} (السجدة .)8-6 :وقال
تعالى{ :ولقد خلقنا النسان من سللة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين
ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا
العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} (المؤمنون-12 :
.)14
قال المفسرون (ثم أنشأناه خلقا آخر) أي نفخنا فيه الروح .وذلك ل يكون
إل بعد المرور بالطوار السبع -تكون ترابا ثم تكون نطفة ثم تكون علقة ثم
تكون مضغة ثم تكون عظاما ثم تكون لحما يكسو العظام ثم ينشئها الله خلقا
آخر فينفخ فيها الروح..)13(.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في غير ما آية من القرآن الكريم هذه المراحل
والطوار التي يمر بها الجنين قبل أن تنفخ فيه الروح التي بها يصير الجسد
إنساناً ..قال تعالى{ :ما لكم ل ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا} (نوح،13 :
.)14ثم فصل هذه الطوار فقال عز من قائل{ :يا أيها الناس إن كنتم في ريب
من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة
وغير مخلقة لنبين لكم .ونقر في الرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم
طفل ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي ل
يعلم من بعد علم شيئا} (الحج.)5 :
وقد قام العلماء الجلء من أمثال ابن القيم والنووي وابن حجر العسقلني
وغيرهم بمحاولة الجمع بين الحديثين وقد استعرضت ذلك كله في كتابي «خلق
النسان بين الطب والقرآن» وكتاب «الجنين المشوه :أسبابه وأحكامه» فليرجع
إليهما من أراد التفاصيل.
وقال المام ابن حجر العسقلني في فتح الباري وهو يتحدث عن أول
العضاء تكونا ً في الجنين« :وقيل الكبد لن منه النمو والغتذاء الذي هو قوام
جحه بعضهم بأنه مقتضى النظام الطبيعي لن النمو هو المطلوب أول. البدن ،ر ّ
س ول حركة إرادية لنه حينئذ بمنزلة النبات .وإنما يكون
ول حاجة له حينئذ إلى ح ّ
له قوة الحس والرادة عند تعلق النفس به»..)15(.
واللفت للنظر حقا ً أن يجعل هذان المامان العظيمان نفخ الروح مرتبطاً
بالحساس والرادة أي بالجهاز العصبي بل بالدماغ .فإذا لم يكن هناك حس ول
إرادة فل روح هناك ،وإن كانت بعض العضاء بل كل العضاء تعمل.
قال المام الغزالي في الحياء :وليس هذا «أي العزل» كالجهاض والوأد
لن ذلك جناية على موجود حاصل ،والوجود له مراتب .وأول مراتب الوجود أن
تقع النطفة في الرحم ويختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة ،وإفساد ذلك
جناية ،فإن صارت نطفة مخلقة كانت الجناية أفحش .وإن نفخ فيه الروح
واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا .ومنتهى التفاحش في الجناية هب بعد
النفصال حيا».
فإذا كان المولود حديثا ً وقد نفخت فيه الروح منذ أشهر عديدة ل يحكم له
بالحياة إل عندما يستهل صارخا ً أو يستدل على حياته بأمارات موثقة عندهم فإنه
من العجيب جدا ً أن ل يحكم لمن مات دماغه وبالتالي فقد الحساس والحركة
والرادة بالموت .جاء في الموسوعة الفقهية« :.)18(.وتعرف حياته ،أي المولود»
بالستهلل صارخا ،واختلف الفقهاء فيما سوى الستهلل .فقالت طائفة« :ل يرث
حتى يستهل صارخا .وهو المشهور عن المام أحمد ..)19(.وروي عن كثير من
الصحابة والتابعين مستدلين بأن مفهوم قول النبي ( üإذا استهل المولود ورث)
أنه ل يرث بغير استهلل ولن الستهلل ل يكون إل من حي .والحركة تكون من
غير حي..)21(.
"وروي عن أحمد أنه قال :يرث السقط ويورث إذا استهل فقيل :ما
استهلله؟ قال إذا صاح أو عطس أو بكى .فعلى هذا كل صوت يوجد منه تعلم به
حياته فهو استهلل .وهذا قول الزهري والقاسم بن محمد لنه صوت عُلمت به
حياته فأشبه الصراخ .وعن أحمد رواية ثالثة بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره
وّرث وثبت له أحكام المستهل لنه حي .وبهذا قال الثوري والوزاعي والشافعي
وأبو حنيفة وأصحابه..)22(.
المام مالك ل يعد الجنين حيا ً ما لم يستهل ولو تنفس أو تحرك أو بال.
ويقول فضيلة الشيخ المختار السلمي :يرى المام مالك بن أنس رضي الله عنه
أن المولود إذا لم يصرخ ل يُعتبر حيا ً ولو تنفس أو بال أو تحرك .ومعنى هذا أنه ل
يحكم له بالحياة بمجرد التنفس حتى يقرن بها البكاء .وقال ابن الماجشون :إن
العطاس يكون من الريح والبول من استرخاء المواسك (أي العضلت العاصرة
?)Sphincterفما لم يكن الفعل إراديا استجابة لتنظيم الدماغ ل يُعتبر أمارة
حياة( .الزرقاني علي الخليل ج .)2/112انتهى كلم فضيلة الشيخ محمد المختار
السلمي.
ويقول فضيلته أيضا ً في بحثه المقدم إلى الدورة الثالثة لمجمع الفقه
السلمي مفصل وموضحا أقوال المذهب المالكي« :يقول خليل ابن إسحاق (ول
سقط ما لم يستهل صارخاً ،ولو تحرك أو بال أو رضع) .إن هذه الفقرة تجعل
صل اللخمي ما تكون به الحياة فقال :اختلف في مقياس الحياة الصوت .وقد ف ّ
الحركة والرضاع والعطاس فقال مالك :ل يكون له بذلك حكم الحياة .قال ابن
حبيب وإن أقام يوما يتنفس ويفتح عينيه ويتحرك حتى يسمع له صوت وإن كان
خفياً .قال إسماعيل :وحركته كحركته في البطن ل يحكم له فيها بحياة .قال
عبدالوهاب :وقد يتحرك المقتول .وعارض هذا المازري وقال :ل معنى لنكار
دللة الرضاع على الحياة لننا نعلم يقينا أنه محال بالعادة أن يرضع الميت .وليس
الرضاع من الفعال التي تكون بين الطبيعة والختيارية ،كما قال ابن الماجشون
أن العطاس يكون من الريح ،والبول من استرخاء المواسك (العضلت العاصرة)،
لن الرضاع ل يكون إل من القصد إليه .والتشكك في دللته على الحياة يطرق
إلى هدم قواعد ضرورية .والصواب ما قاله ابن وهب وغيره :أنه كالستهلل
بالصراخ»..)23(.
حركة المذبوح:
قد أجمع الفقهاء على اعتبار حركة المذبوح بل لو أن حيوانا مفترسا أو
شخصا قام بالعتداء على آخر وأفقده النطق والبصار والحساس والدراك ولم
يبق منه إل ما يسمى حركة المذبوح ثم جاء آخر فأجهز عليه فإن القاتل هو
الول ،وإنما يعزر الثاني لنتهاكه حرمة الميت ..فمهما كان قلبه ينبض وهو يتنفس
ويتحرك إل أن هذه الحركات اضطرارية فل يحكم له فيها بحياة.
بل وصل بعض الفقهاء إلى ما هو أعجب وأغرب من ذلك .فقد زعم ابن
القاسم أن عمر رضي الله عنه لما طُعن كان معدودا ً في الموات .وأنه لو مات
له مورث لما ورثه ،وأنه لو قام رجل بالتذفيف على عمر فقتله ل يُعتبر الثاني
قاتل ً لن القاتل هو الول وهو أبو لؤلؤة المجوسي غلم المغيرة بن شعبة .وقد
استدلوا على موت عمر بزعمهم ذاك أن الطبيب سقى عمر لبنا ً فخرج اللبن من
الجرح ،ومعنى ذلك أن الطعنة كانت نافذة حتى وصلت إلى المعاء أو المعدة،
ومثل تلك الحالة ل تعيش في ذلك الزمان .ورغم أن عمر كان يتكلم ويعهد وبقي
ثلثة أيام على ذلك إل أن ابن القاسم اعتبره في عداد الموات.
( !!.)28ولم يعتبر كلمه وإدراكه ومنطقة دليل ً على الحياة باعتبار ما سيؤول
إليه ،وهو الموت .والحق أن ما ذهب إليه ابن القاسم كان شططا ً ولم يقبله
جمهور الفقهاء ،بل اعتبروا أن عمر كان ل يزال حيا ً عندما كان يعهد ويتكلم
ويدرك المور ،ولذا أمضوا وصيته..)29(.
وحتى لو قلنا بفترة الربعين التي وردت في حديث حذيفة بن أسيد ،وفي هذه
الفترة يبدأ جذع الدماغ بالعمل ،واعتبرنا ذلك علمة على بداية الحياة ونفخ الروح
فإن ذلك ل يغير من الحقيقة شيئا ..وهي أن الجنين يبقى فترة أربعين يوما ً ل
يعتبر فيه حيا ً حياة إنسانية.
وهذه الكتشافات الحديثة تكون إعجازا ً لحاديث النبي üفي هذا الباب .ففي
حديث حذيفة بن أسيد الذي رواه مسلم يؤمر الملك بتشكيل كافة العضاء بما
فيها العضاء التناسلية بعد الربعين الولى من عمر الجنين .وفي هذه الفترة
المعروفة لدى علماء الجنة بفترة تكوين أو تخليق العضاء Organ genesis
يبدأ جذع الدماغ في التكون ويبدأ أول نشاطه في اليوم الثالث والربعين وقد
أمكن تسجيل نشاطه الكهربائي .أما المناطق المخية العليا فتظل بدون نشاط
وهي مثل اللمبة (المصباح) بدون كهرباء .ول يتم توصيل الكهرباء إليها إل بعد
مرور مائة وعشرين يوما وآنذاك تعمل .وبما أن المخ هو مركز الحاسيس
والرادة والفكر والرؤية وهو ما اتفق عليه علماء السلم بإعطاء صفة الروح،
لنها هي المدرك وهي المحاسب والمعاقب والمعاتب والمطالب ..فإن وجود هذه
العلمة الفارقة العجيبة ،وتطابق الطب الحديث مع ما جاء في الحاديث الصحيحة
يجعل لهذه الحاديث إعجازا ً وفهما عجيبا.
1ـ تضافرت النصوص القرآنية والحديثية على أن آدم عليه السلم لم تنفخ فيه
الروح إل بعد أن اكتمل بناء جسده من الطين .وأن إبليس اللعين كان يتعجب
من خلقه ويصوت فيه قبل نفخ الروح ويقول «لمر ما خلقت».
3ـ أن أهم وظائف الروح هي العلم والدراك :يقول المام الغزالي :الروح هي
المعنى الذي يدرك من النسان العلوم وآلم الغموم ولذات الفراح .والروح
تؤثر في البدن النساني وتتحكم فيه .والعضاء آلت للبدن فإذا استعصت
العضاء على عمل الروح فإن الروح ،تغادر البدن .فكل العمال الختيارية
والدراك والحساس من عمل الروح والبدان آلت للروح.
ولكن هذا ل يعني أن خروج الروح يستتبع فقدان كل حركة في الجسم وموت
كل خلية فيه .فقد اتفق الفقهاء ،كما أسلفنا أن الجنين قبل نفخ الروح فيه كانت
فيه حركة النمو والغتذاء .بل إن القلب ينبض ويعمل منذ اليوم الثاني والعشرين
منذ التلقيح وتبدأ الدورة الدموية عملها منذ تلك اللحظة ومع هذا لم يقل أحد من
علماء السلم أن الروح قد نفخت في هذا الجنين في هذه الفترة ،بل أجمعوا أو
كادوا على أن نفخ الروح ل يكون إل بعد مرور مائة وعشرين يوما ً منذ بدء الحمل
ولم يشذ من ذلك إل فئة قليلة لم تحدد وقتا ً لنفخ الروح ولكنها أخذت بحديث
حذيفة بن أسيد الذي رواه مسلم وحددت بالتالي بداية الحياة بعد مرور الربعين
الولى.
وقد أسلفنا القول في أن الفقهاء لم يحكموا بحياة الجنين حتى بعد مولده
وانفصاله حيا ً من أمه إل إذا استهل صارخا ً أو ظهرت عليه أمارات الحياة .ومنهم
من لم يقبل التنفس ما لم يستمر وقتا ً طويلً .وكذلك لم يقبلوا الحركة دليل على
الحياة .بل ول البول لن ذلك يكون من إسترخاء المواسك (العضلت العاصرة)
وبالغ بعضهم في عدم قبول العطاس والرضاع دليل ً على الحياة كما أسلفنا.
وأما حركة المذبوح أو من اعتدى عليه وحش أو إنسان حتى فقد الدراك
والنطق والبصر والحساس فإن حركته ل اعتبار لها عند الفقهاء ،واعتبروه ميتاً
رغم أن قلبه ل يزال ينبض ودورته الدموية ل تزال كاملة ومعظم أعضاء جسمه ل
تزال تعمل.
بل بالغ بعضهم مبالغة شديدة مثل ابن القاسم عندما زعم أن عمر رضي الله
عنه بعد أن طُعن اللهعتبر في عداد الموتى رغم أن عمر رضي الله عنه كان يعهد
ويتكلم وبقي على ذلك ثلثة أيام كاملة وهو يحس ويدرك ..ول شك أن من قال
بذلك قد خرج عن الطور المعهود وجانب الصواب ،فعمر دون ريب كان حياً .ولو
عاش في زمننا هذا لمكن بكل يسر إنقاذ حياته بإذن الله .وكم من حالت أشد
بكثير من حالت عمر أمكن إنقاذها .فقد أمكن إنقاذ الرئيس المريكي السبق
ريجان بعد أن اخترقت الرصاصة صدره ووصلت إلى غشاء قلبه (التامور)،
ً
وحطمت أجزاء من رئتيه .ومع ذلك أمكن إنقاذه وحالته ل ريب أشد عسرا بكثير
من حالة عمر رضي الله عنه.
4ـ اتفق الفقهاء جميعا على أن حركة المذبوح ليست دليل ً على الحياة ،وأن
الحركات الضطرارية (الفعال النعكاسية من الجسم) التي ل اختيار فيها
ليست أثرا ً من أثر الروح .ورغم وجود هذه الحركة فإن من فقد كل إحساس
وإدراك مع فقدان النطق والرادة عند هؤلء الفقهاء دليل على فقدان الحياة.
يقول الدكتور محمد نعيم ياسين في بحثه «نهاية الحياة النسانية في ضوء
اجتهادات الفقهاء» تحت عنوان خلصة تصور علماء الشريعة عن الروح
وعلقتها بالجسد:.)20(.
ثم يخلص الباحث إلى محاولة الجمع ما بين أقوال الطباء والفقهاء ،من اتفاق
واختلف وهذا الذي سنذكره فيما بعد عند النتهاء من تشخيص الموت وعلماته
عند الفريقين .وما يهمنا ها هنا هو التأكيد على أن الفقهاء لم يجعلوا الحركة
الضطرارية دليل على وجود الروح ،بل على العكس من ذلك .كما أنهم لم يجعلوا
انتظام نظم القلب وضرباته ووجود الدورة الدموية في الجنين دليل ً على نفخ
الروح فيه ،بل اعتبروا ذلك كله بمثابة النبات أو الحيوان وليس فيه أي دليل على
نفخ الروح في الجنين .وقد أخبر المعصوم üعن موعد هذا النفخ وأنه ل يكون إل
بعد مرور الجنين بمراحل متعددة ابتداء من النطفة ومرورا بالعلقة والمضغة
والعظام واللحم الذي يكسو العظام ووجود أمارات التخليق ووجود العضاء
المختلفة من كبد وقلب ورئة وكُلى ..ومع أن الدورة الدموية والقلب يبدأ عملهما
مبكرا جدا (في اليوم الثاني والعشرين منذ التلقيح) إل أن الفقهاء لم يعيروا ذلك
اهتماما ً لوجود النص ..واتفق جمهور الفقهاء وعلماء الشريعة والعلوم الدينية أن
نفخ الروح ل يكون إل بعد وصول الجنين إلى اليوم العشرين بعد المائة.
وهذا دليل قوي على عدم اعتبارهم للدورة الدموية كدليل على وجود الروح
إذ يمكن أن تكون هناك دورة دموية كاملة والقلب ينبض دون وجود الروح وهذا
بالضبط ما يقوله الطباء حيث إن القلب يمكن أن يستمر في النبض والدورة
الدموية بمساعدة العقاقير والجهزة وبوجود منفسة تقوم بعملية التنفس ول يعد
الشخص في تلك الحالة حيا ً بل هو ميت إذا مات دماغه بشروط معينة ل بد من
توافرها في تشخيص موت الدماغ.
لهذا كله بحث الفقهاء عن العلمات التي تمكنهم من معرفة الموت .وقد
استدل الفقهاء على الموت ببعض المارات وببعض الحاديث النبوية نذكرها كما
جاءت في بحث فضيلة الدكتور بكر أبو زيد رئيس مجمع الفقه السلمي بشيء
من الختصار.
(:.)32
1ـ عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله üقال :إن الروح إذا قبض اتبعه
البصر( .أخرجه مسلم).
2ـ عن شداد بن أوس أن رسول الله üقال :إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر
فإن البصر يتبع الروح .وقولوا خيرا ً فإنه يؤمن على ما يقول أهل الميت
(أخرجه أحمد في مسنده).
" وفي حالت الموت بالسكتة والصعقة والخوف والسقوط ونحوها مما قد
ينتج عنه الموت المفاجىء يطلب الفقهاء ،أن ينتظر بالميت احتياطا ً حتى تظهر
به العلمات المعتبرة في غير هذه الحوال من استرخاء الرجلين وانخساف
الصدغين إلى آخره ليتحقق الموت»..)34(.
ول شك أن هذه العلمات ليست يقينية ما عدا توقف التنفس توقفا ً نهائيا ً ل
رجعة فيه .ولذا اعترف الفقهاء أنفسهم أنهم كانوا يشخصون الموت في حالت
لم تمت بعد حتى قال ابن عابدين في الحاشية« :إن أكثر الذين يموتون بالسكتة
يدفنون وهم أحياء» لنه يعسر إدراك الموت الحقيقي إل على أفاضل الطباء(.
..)35
وقد نقلنا كلم فضيلة مفتي تونس العلمة الشيخ محمد المختار السلمي
في حكم الفقهاء على الجنين الذي لم يستهل صارخاً .وكيف أنهم اعتبروه ميتاً.
وكم من مليين الطفال عبر ألف عام أو تزيد حكم عليهم الفقهاء بالموت لنهم
لم يستهلوا حياتهم صارخين .بل إن بعضهم لم يعترف بالتنفس ول بالعطاس ول
بالرضاع!! وإليك ما قال مرة أخرى( :يقول خليل :ول سقط ما لم يستهل صارخاً
ولو تحرك أو بال أو رضع)!!؟!!
وزعم ابن القاسم أن عمر رضي الله عنه عندما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي
كان معدودا ً في الموات رغم أنه كان يتكلم ويعهد ويدرك ويحس اللم ...الخ.
ول شك أن علمات الفقهاء للموت ستؤدي إلى كارثة حقيقية إذا أخذنا بها.
ول شك أن اللف سيُحكم عليهم بالموت وهم أحياء حسب هذه التعريفات
الفقهية للموت ..وقد أدت تعريفات الموت عند الفقهاء إلى دفن آلف بل مليين
الطفال الذين لم يستهلوا صارخين وهم أحياء كما أدت إلى دفن آلف ومئات
اللف من الشخاص الذين أصيبوا بالسكتة وكما قال الفقيه ابن عابدين فإن أكثر
الذين يموتون بالسكتة يدفنون وهم أحياء.
ولهذا فإن تشخيص الموت ليترك للفقهاء ولعامة الناس ،وقد تنبهت
الحكومات في العالم أجمع إلى ذلك ،فأوكلت تحديد الحياة بدءا ً وانتهاء إلى أهل
الذكر في هذا المجال وهم الطباء .وقد قال الله تعالى{ :فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم ل تعلمون}.
ومن الخطورة بمكان أن نأخذ بهذه العلمات البسيطة التي كان الفقهاء
يأخذون بها ويعتبرونها علمة للموت مثل استرخاء القدمين وانفصال الكفين
وميل النف وامتداد جلدة الوجه وانخساف الصدغين ،وتقلص الخصيتين إلى فوق
مع تدلي الجلدة ،وبرودة البدن .فهذه العلمات جميعا ليست علمة للموت ..بل
إن توقف التنفس لديهم وهو علمة هامة للموت قد يكون عارضا ً ويمكن إنقاذ
المصاب به ..وقد ل يكون علمة للموت إل إذا استمر وقتا ً كافياً.
فّرق الفقهاء بين من وصل إلى حركة المذبوح نتيجة عدوان أو افتراس
وبين من وصل إليها نتيجة مرض .فإن من وصل إلى حركة المذبوح نتيجة مرض
ل تسري عليه أحكام الموت ول تقسم تركته ول تنكح زوجته ويلزم قاتله
القصاص .قال النووي في المنهاج :ولو قتل مريضا ً في النزع وعيشه عيش
مذبوح وجب بقتله القصاص ..)39(.قال الشارح :لنه قد يعيش بخلف من وصل
بالجناية إلى حركة المذبوح .قال العلمة عميرة في حاشيته على منهاج الطالبين:
«وعبارة المام (أي النووي) لو انتهى إلى سكرات الموت وبدت أمارته وتغيرت
أنفاسه ل يحكم له بالموت بل يلزم قاتله القصاص.
( ..)40وقال الزركشي في المنثور في القواعد :إن المريض لو انتهى إلى
سكرات الموت ،وبدت مخايلة ل يحكم له بالموت ،حتى يجب القصاص على
قاتله..)41(.
وإضافة الفعل الول إلى حيوان مفترس ل يختلف من حيث النتيجة عن
إضافته إلى أي حادث سماوي يوصل الشخص إلى النتيجة نفسها كانهيار بيت
عليه مثل ونحو ذلك.
ومقتضى كلم الدكتور محمد نعيم ياسين أنه ل فرق بين من وصل إلى
حركة المذبوح نتيجة افتراس وحش أو اعتداء إنسان أو حادث سيارة أو هدم أو
غيرها من الحوادث أو نزف في الدماغ لي سبب إذا أمكن التيقن من التشخيص
وأن المصاب قد وصل فعل إلى حركة المذبوح وهو من فقد الدراك والنطق
والحساس والبصار ولم تعد له حياة مستقرة ،وإن كان قلبه ينبض والدم يجول
في عروقه وكثير من أعضائه ل يزال يعمل ،بل ل يزال يتنفس بدون منفسة ول
آلة!!
فإذا كان الفقهاء قد حكموا على مثل هذا الشخص بالموت ،وهو ما ل يجرؤ
الطباء على فعله فإن تشخيص موت الدماغ بمواصفات الطباء اليوم أشد بكثير
من مواصفات الفقهاء في تعريف الحياة غير المستقرة وحركة المذبوح وما
شاكل ذلك.
مفهوم الموت عند الطباء:
ويعّرف الفقهاء كما أسلفنا الموت بأنه مفارقة الروح للجسد .وبما أن
الطباء ل يستطيعون أن يدركوا من أمر الروح شيئا ً سوى ما تدلهم عليه
النصوص أو اجتهادات الفقهاء ،فإنهم مثل الفقهاء اتخذوا علمات تدل على
الموت .ول شك أن علمات الموت عند الطباء أدق وأصدق من تلك العلمات
التي اتخذها الفقهاء والتي وقفنا عندها طويل ،وأوضحنا مدى الضطراب وعدم
الوثوق فيها حيث يشخصون ويعتبرون النسان ميتا ً وهو ل يزال حيا ً نتيجة قصور
معلومات زمنهم في هذا الباب.
والموت عند الطباء هو نهاية الحياة في البدن النساني ول يعني ذلك موت
كل خلية فيه .وقد جاء في تقرير الجتماع العالمي الثاني والعشرين للطباء
المنعقد في سيدني في أستراليا عام 1968م :إن الموت عملية متدرجة على
مستوى الخليا وأن النسجة تختلف في مدى قدرتها على تحمل انقطاع
الوكسجين (بحيث تموت خليا الدماغ بعد أربع دقائق فقط من انقطاع التروية
الدموية بينما يمكث الجلد والقرنية والعظام فترة تتراوح مابين اثنتي عشرة
وأربع وعشرين ساعة بدون تبريد .كما يمكن تبريد الخليا والنسجة وإبقاؤها حية
لمدة طويلة .فيمكن مثل تبريد الحيوانات المنوية وإبقاؤها حية عشرات السنين
وكذلك اللقيحة والخليا المولدة لليفين ( .)Fibroblastsولكن الموت ليس مجرد
موت خليا أو الحتفاظ بها حية في ظروف معينة وإنما هو موت النسان ككل،
وبالتالي عدم القدرة على الحتفاظ بخليا جسمه حية ..وهي نقطة اللعودة..
مهما بذل الطباء من محاولت النقاذ والسعاف وسير الجسم في طريق التحلل
والنتهاء..)43(.
والغريب حقا ً أن الفقهاء وعلماء الدين عندما حددوا الموت بخروج الروح
من البدن ومفارقتها له جعلوا من صفات ذلك فقدان القدرة على الدراك
والحساس والنطق والحركة الذاتية ،وإن بقي الشخص يتنفس أو يجول الدم في
عروقه وينبض قلبه وذلك فيما أسموه حركة المذبوح .واعتبروا ذلك الشخص ميتاً
وتسري عليه أحكام الموت إذا كان سبب وصوله لحركة المذبوح اعتداء شخص
على حياته أو افتراس وحش أو حادث (سماوي) مثل هدم أو سقوط في حفرة
أو سقوط أو حادث مروري .والعجيب حقا أن يقوم الستاذ الدكتور كريستوفر
باليس Christopher Pallisفي كتابه أبجديات موت جذع الدماغ بتعريف الموت
بأنه :فقدان الدراك والحساس والقدرة على الحركة الرادية بالضافة إلى
فقدان تام ل رجعة فيه للقدرة على التنفس ..)46(.ول شك أن تعريف الدكتور
باليس أدق وأضبط في هذه الناحية من تعريفات فقهائنا الجلء .إذ أنهم أهملوا
في هذه النقطة موضوع النفس والتنفس مع أنهم انتبهوا له في مواضع أخرى،
حتى قال بعضهم أن النفس هي النَفَس وهي النسيم الداخل والخارج من الرئتين
(ذكره ابن القيم في كتابه الروح).
ولكي نزيد هذا المفهوم وضوحا ً فإن توقف القلب في العمليات الجراحية
التي تجرى للقلب (عمليات القلب المفتوح) ل تعني أن هذا الشخص قد مات،
رغم أن قلبه يُوقف أثناء العملية لمدة ساعتين أو أكثر .والسبب هو أن وظيفة
القلب تقوم بها مضخة تضخ الدم الذي يتجمع من الوريد الجوف السفلي والوريد
الجوف العلوي بعد أن يمر في جهاز يقوم بوظيفة الرئة ثم يُعاد إلى الشريان
الورطي الذي بدوره يوزع الدم على بقية أعضاء الجسم .وفي هذه الحالت رغم
أن القلب متوقف والتنفس متوقف إل أن الشخص حي بكل تأكيد .وذلك لن
الدورة الدموية لم تتوقف ولو لثوان معدودة .والدماغ يتلقى التروية الدموية دون
انقطاع ..ووظيفة الرئتين تقوم بها آلة أخرى تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الدم
وتعطيه الوكسجين .وهذا المثال يوضح أن القلب رغم أهميته البالغة للنسان إل
أنه يمكن الستغناء عنه لمدة ساعتين أو ثلث بواسطة آلة تقوم مقامه ..وكذلك
الرئتين .ويمكن كذلك استبدال هذا القلب التالف بقلب شخص آخر (توفي
دماغيا) ،أو حتى بقلب حيوان آخر ..ولول عمليات الرفض للجسم الغريب لمكن
استخدام القلوب من الحيوانات لزرعها في النسان ،ولكن عمليات الرفض
الشديدة تجعل هذه العملية محفوفة بالمخاطر ..وهناك تجارب متعددة على
قلوب الحيوانات (وبالذات الخنزير) ومحاولة تغيير جهازها المناعي بتطعيمها
بجينات إنسانية ..وسيتضح مدى نجاح أو فشل هذه التجارب في خلل السنوات
القليلة القادمة.
لهذا ينبغي أن ندرك أنه حتى في الحالت التي يُعلن فيها الموت بسبب
توقف القلب والدورة الدموية والتنفس إل أن السبب الول في الوفاة هو انقطاع
التروية الدموية عن الدماغ ،لهذا إذا أمكن مواصلة التروية الدموية للدماغ حتى
مع توقف القلب فإن هذا الشخص يعد حيا .ولكن العكس غير صحيح .أي إذا
تهشم الدماغ وبالذات جذع الدماغ الذي فيه المراكز الحيوية (اليقظة ،التنفس،
التحكم في الدورة الدموية) ومات موتا ً ل رجعة فيها فإن النسان يُعد ميتا رغم
أن قلبه ليزال ينبض بمساعدة العقاقير وبعض الجهزة ،وتنفسه ل يزال مستمراً
بواسطة المنفسة (اللة) .وهذا هو بالضبط ما نعبر عنه بموت الدماغ.
موت الدماغ:
إن موت الدماغ هو موت الدماغ بما فيه المراكز الحيوية الهامة جدا
والواقعة في جذع الدماغ ،فإذا ماتت هذه المناطق فإن النسان يُعد ميتاً ،لن
تنفسه بواسطة اللة (المنفسة) مهما استمر ل قيمة له ول يُعطي الحياة
للنسان .وكذلك استمرار النبض من القلب بل وتدفق الدم في الشرايين
والوردة (ما عدا الدماغ) ل يُعد علمة على الحياة طالما أن الدماغ قد توقفت
حياته ودورته الدموية توقفا ً تاما ً ل رجعة فيه.
وهذا يشبه تماما ما يحدث عندما تقوم الدولة بتنفيذ حكم الله في
القصاص ،أو قتل المفسدين في الرض من مهربي وتجار المخدرات .في هذه
الحالة يضرب السياف العنق فتتوقف الدورة الدموية عن الدماغ ويموت الدماغ
خلل دقائق معدودة (ثلث إلى أربع دقائق) .بينما يبقى القلب يضخ الدم لمدة
15إلى 20دقيقة ويتحرك المذبوح وهو أمر نشاهده عند ذبح الدجاجة أو
الخروف ولكن هذه الحركة ليست بذاتها دليل على الحياة ،طالما أن الدماغ قد
مات.
1ـ إصابات الدماغ بسبب الحوادث وأهمها حوادث المرور .وهذه الحوادث تمثل
خمسين بالمائة من جميع حالت موت الدماغ .وفي المملكة العربية
السعودية تمثل حوادث المرور 60بالمائة من جميع وفيات الدماغ وتُعد
حوادث المرور في المملكة ومنطقة الخليج صاحبة الرقم العلى في العالم
وتبلغ عشرة أضعاف ما هو موجود في الوليات المتحدة وأوروبا بالنسبة لكل
مائة ألف من السكان وفي عام 1994م وعام 1995م توفي في السعودية
في كل واحدة منهما أكثر من ( 3700ثلثة آلف وسبعمائة شخص) أغلبيتهم
المطلقة كانت تحت سن الربعين (أكثر من 75بالمائة من جميع الحالت)،
كما أصيب في حوادث المرور إصابات بالغة أدت إلى دخول المستشفى أكثر
من خمسة وثلثين ألف شخص في كل عام ..وهذه أرقام مرعبة جدا جدا
وتسبب العاقة وإضاعة أثمن وأغلى ثروة لدى المة وهي الشباب.
إن هذه الصابات المروعة ينبغي أن تواجه بحزم ومعالجة جذرية لسباب هذه
الصابات وأهمها السرعة الجنونية ،وعدم استخدام حزام المان ،والستهتار
وقطع الشارات الضوئية ..الخ ..ول بد من عقوبات زاجرة رادعة حتى يمكن أن
نخفض هذا النزيف في قدرات المة وفي شبابها وفي ثروتها.
2ـ نزف داخلي بالدماغ بمختلف أسبابه وهو يمثل حوالي 20بالمائة من جميع
حالت موت الدماغ.
3ـ أورام الدماغ ،والتهاب الدماغ وخراج الدماغ والسحايا وتمثل حوالي 20
بالمائة من حالت موت الدماغ.
نكرر القول بأن أهم سبب لموت الدماغ هو حوادث السيارات وللسف فإن
أغلبية المصابين هم من الشباب زهرة هذه المة وأهم مصادر ثروتها.
3ـ تشخيص لسبب هذا الغماء ،يوضح إصابة أو مرضا ً في جذع الدماغ أو في كل
الدماغ.
4ـ عدم وجود أسباب تؤدي إلى الغماء المؤقت مثل تعاطي العقاقير أو الكحول
أو انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم أو حالت سكر شديد أو انخفاض
شديد في سكر الدم أو غير ذلك من السباب الطبية المعروفة التي يمكن
معالجتها.
5ـ ثبوت الفحوصات الطبية التي تدل على موت جذع الدماغ وتتمثل:
أ ـ عدم وجود الفعال المنعكسة من جذع الدماغ.
ب ـ عدم وجود تنفس بعد إيقاف المنفسة لمدة عشر دقائق بشروط معينة منها
استمرار دخول الكسجين بواسطة أنبوب يدخل إلى القصبة الهوائية ومنها
إلى الرئتين ،وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى حد معين (أكثر
من 50مم من الزئبق في الشريان).
6ـ فحوصات تأكيدية مثل رسم المخ الكهربي EEGوعدم وجود أي ذبذبة فيه ،أو
عدم وجود دورة بالدماغ بعد تصوير شرايين الدماغ أو بفحص المواد المشعة
أو غيرها من الفحوصات الحديثة.
7ـ ينبغي أن يعاد الفحص مرة أخرى بعد مرور فترة زمنية تختلف حسب الحالة
وحسب عمر المصاب وهي تتراوح مابين ست ساعات للبالغين وثمان
وأربعين ساعة (للطفال أقل من شهر).
أما إذا رفض الهل الموافقة على التبرع فإن الطباء ينبغي أن يوقفوا
المنفسة وفي خلل ثلث دقائق على الكثر يتوقف القلب والدورة الدموية .وقد
أفتى مجمع الفقه السلمي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان -الردن -
1407هـ1986 /م حيث قرر المجمع أن الشخص يُعتبر ميتا إذا تبينت فيه إحدى
العلمتين التاليتين:
1ـ إذا توقف قلبه وتنفسه توقفا ً تاماً ،وحكم الطباء بأن هذا التوقف ل رجعة
فيه.
2ـ إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطل نهائيا ،وحكم الطباء الختصاصيون
الخبراء بأن هذا التعطل ل رجعة فيه ،وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة النعاش المركبة على الشخص ،وإن كان
بعض العضاء ليزال يعمل آليا بفعل الجهزة المركبة.
وبهذه الفتاوى ظهر عهد جديد في ميدان الطب .وهو تعريف موت الدماغ
طبيا ً وبداية قبول هذا المفهوم شرعيا .ومن ثم انفتح باب زراعة العضاء من
المتوفين دماغيا ،وأمكن إنقاذ مئات المرضى الذين يعانون من فشل نهائي
لعضائهم الحيوية الهامة وبالتالي تم إنقاذهم بإذن الله تعالى وبفضل التقدم
الطبي من موت محقق.
المراجع
الرئيس الدكتور محمد هيثم الخياط :شكرا للخ الكريم الدكتور محمد علي
البار على عرضه الجيد والبحث الخير للخ الدكتور محمد مليباري فليتفضل: